كنت منذ زمنٍ طويل أفكر بهذه الرسالة, وبالتحديد منذ رئيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون قبل ما يقل عن العامين بقليل, ولكنني مؤمن بأن إعطاء الفرصة الكافية للمسؤول أمرٌ منطقي وواجب, وخطوة أولى قبل محاسبته, بالطبع أعرف أنكم ورثتم تركة ثقيلة وحملاً صعباً, ولكننا في الحقيقة استبشرنا خيراً بوصولكم إلى كرسي رئاسة الجمعية, وأنتم الرجل الإعلامي والصحفي المعروف, ذو التجربة الحقيقية في مجال الإبداع والفنون, وليس كما بعض الدخلاء من ذوي النشاطات الإعلامية الفارغة, لكن آمالنا الكبيرة تحطمت على صخرة الواقع منذ الأشهر الأولى, ففعاليات الجمعية لم تتوسع بالشكل المتوقع, ولم يحدث تغيير حقيقي سوى في الشعار الجديد للجمعية, الذي وإن كان جميلاً ومعبراً عن واقع كنا نتأمل مشاهدته في أفرع الجمعية الستة عشر عبر المملكة -والتي بالمناسبة لم تزد فرعاً واحداً منذ سنوات!- بيد أن الآمال شيء والواقع شيء آخر, أليس كذلك؟

كنا نتوقع تغييراً نوعياً في أساليب وجودة الدورات التدريبية للجمعية, ولكن الذي حصل في الواقع هو استمرار نفس الأساليب البدائية في استقطاب المبدعين, وتكرار نفس الوجوه التي تقدم الدورات وورش العمل, صحيح أن بعض الفروع شهد تدفقاً جديداً لدماء شابة في إدارته, ولكن ما الفائدة من هذا التجدد في فرعٍ هلامي, بلا ميزانية حقيقية وبلا موظفين متفرغين! لنعود إلى نفس الحلقة المفرغة من الاجتهادات الفردية, و"فزعات" الأصدقاء من الأدباء والفنانين! وبالطبع ما لا يؤسس لثقافة فنية منهجية مستدامة.

ما زلت أتذكر بمزيدٍ من الفخر استضافة الجمعية لي في أمسيتي القصصية الأولى قبل حوالي عشر سنوات في الرياض, تلكم الأمسية التي كانت –ولا شك- دفعة كبيرة لشاب مثلي, مما جعلني أكتسب ثقة أكبر, وشجاعة أوسع نحو المشاركة في المشهد الثقافي المحلي, لذا فإن أملنا فيكم كبير, وطموحنا أكبر, لأنه من المفترض أن تكون هذه الجمعية وفروعها هي المحض الأول لكافة أنواع الفنون, وبالذات للشباب القاطن في المدن المتوسطة والصغيرة بالمملكة, والتي تئن من ندرة الفعاليات الأدبية, فضلاً عن غياب الفعاليات الفنية بشكل كامل. خصوصاً مع قدرة الجمعية من الناحية النظامية على تنظيم الفعاليات الفنية على عكس المؤسسات الأخرى التي لا تستطيع ذلك إلا بعد الحصول على موافقات جهات حكومية متعددة, وبالطبع بعد اشتراطات متنوعة تقتل العمل الفني قبل إقامته.

ولعل البداية سعادة الرئيس تبدأ من أعلى, من معالي وزير الثقافة والإعلام بالعمل على زيادة مخصصات الجمعية, وذلك بمضاعفتها عشر مرات على الأقل, وليس مجرد زيادتها بمبالغ قليلة لا تكفي لطباعة شهادات شكر وتقدير, فضلاً عن تغطيتها مصاريف ورش عمل فنية معتبرة! لأنني ومن خلال احتكاكي بالأصدقاء من منسوبي الجمعية والمستفيدين من خدمتها؛ نكاد نجمع على أن المشكلة الأساسية لتراجع نشاط الجمعية وانحصاره هو غياب الميزانية اللازمة, أو ليس من المخجل لنا أن تتوارى هذه الجمعية العريقة فقط بسبب "المادة" في ظل التطور الاقتصادي الذي نشهده! ونحن لدينا أجيال متوالية من المبدعين, ينتظرون فقط فرصة واحدة للظهور على المشهد الفني في المملكة. ولا يفوتني هنا الإشارة إلى ضرورة أن تضطلع الجمعية بدورها في رعاية الفنانين والمبدعين ممن جار عليهم الزمن, خاصة أنه الهدف الثاني من الأهداف الرئيسية للجمعية, الذي يؤكد على رعاية الجمعية للأدباء والفنانين السعوديين والعمل على رفع مستواهم الثقافي والفني والاجتماعي وتأمين مستقبلهم.

أخي رئيس الجمعية؛ أعرف أنكم قمتم بأعمال متعددة, وفعّلتم التواجد الإلكتروني للجمعية, وفوّضتم مزيداً من الصلاحيات لمديري الفروع, وجلبتم دعماً مالياً من هنا وآخر من هناك, وطعّمتم الوفود الخارجية للجمعية بالمشاركين الشباب؛ لكن كل ذلك لا يكفي! ذلك لأننا نتأمل الكثير من الجمعية, ونطمح بفعاليات لا تتوقف, نحن نتوقع "رزنامة" ممتلئة من المسرح والموسيقى والنحت والشعر والسينما والقصة والفلكلور الشعبي والخط العربي وغيرها من الفنون, بحيث تكون هناك فعالية واحدة في كل فرع على الأقل يومياً, فكما تعلم فإن النسبة الأكبر من أبناء وبنات المملكة هم من فئة الشباب الأقل من ثلاثين ربيعاً, وخير من يقود شعلة الإبداع فيهم هي جمعية الثقافة والفنون وليس غيرها, وغني عن القول أن الفتاة السعودية تستحق أكثر من مجرد حضور هامشي في فعاليات الجمعية, فهن نصف المجتمع, وهن من يعملن بجد وإبداع أكثر من أشقائهم الشباب! أخي رئيس الجمعية؛ أعرف أنني أثقلت عليك بحديث الشكوى, ولكن حسبي من رسالتي هذه أنك مدركٌ لأهمية الجمعية ودورها الريادي في تقدم مجتمعنا الشاب, إذ إن المجتمع لا يتقدم فقط بأبراجه الأسمنتية أو منتجاته الاستهلاكية فقط, بل هي الآداب والفنون التي تهذب العقول وترفع المجتمع درجات ودرجات, وأنا على يقين تام أنك قادرٌ -بحول الله وقوته- على دفع الجمعية لمزيد من التقدم والتوسع والاقتراب من المبدعين أنفسهم.