حمد الكنتي
يواجهنا الغرور في كل مكان، يسأل الطالب المعلم فيجيب المعلم في استعلاء: أنت لا تعرف هذا يا للسخرية، أنت لا تفهم، ويبدو أنك لا تعرف من أنا. ويا للغرابة كوني أنا أدرس أمثالك، وهكذا يبدأ الغرور من هنا، وينسى هذا المدرس أن التواضع هو رسالة النبلاء، هو ديدن الأنبياء، يقول أحد الحكماء: "ليس العظيم من قال عنه الناس إنه عظيم، وإنما العظيم بحق من يشعر الآخرين بحضرته أنهم عظماء".
التواضع يرفع الإنسان، فـ"من تواضع لله رفعه"، والتكبر يهوي بالإنسان إلى مستنقعات الخطر، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
وتحضرني قصة هنا تروى عن الإمام الشعراوي، أنه عندما عين وزيرا للأوقاف المصرية ذهب مع أحد أبنائه إلى الإسكندرية، وفي الطريق أمره أن يتوقف في إحدى المحطات، وعندما توقف في المحطة دخل الإمام الشعراوي إلى دورات المياه وتأخر جدا، فذهب ابنه إلى المسجد يبحث عنه فلم يجده، فذهب إلى دورات المياه وكانت المفاجأة، إذ وجده يغسل أحد المراحيض في دورات المياه، فقال له مستغربا؟ لماذا تفعل هذا يا أبي؟ فقال له الإمام الشعراوي: أنا اليوم عينت وزيرا للأوقاف المصرية، فارتفعت نفسي، وأردت أن أخضعها بهذا التصرف؛ كي لا تتكبر.
ويروى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، أنه كان يحمل فوق كتفه جرة عسل أو سمن ويجوب بها شوارع المدينة وهو خليفة، فهو هنا يؤدب نفسه؛ كي لا ترتفع وتتكبر، ولا عجب أن رآه رسول الروم بذلك المنظر المعروف فقال له: "عدلت فأمنت فنمت".
التواضع هو عنوان الرقي، ونبراس الفضيلة، وهو مكمن سيطرة الإنسان على كبريائه، وهو كبح جماح الإنسان لكل قوى الغطرسة فيه، رزقنا الله وإياكم روعة التواضع.