ورحت من سفر مضن إلى سفر
أضنى لأن طريق الراحة التعب
لكن أنا راحل في غير ما سفر
رحلي دمي وطريقي الجمر والحطب!
إذا امتطيت ركابا للنوى فأنا
في داخلي أمتطي ناري وأغترب
قبري ومأساة ميلادي على كتفي
وحولي العدم المنفوخ والصخب
حبيب هذا صداك اليوم أنشده
لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب؟
ماذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟
إني ولدت عجوزا... كيف تعتجب؟!
"للشاعر اليمني عبدالله البردوني"
من عوائق التنمية في أي بلد يبدأ نهضته ويصحو من سبات العزلة التي فرضت عليه بشكل أو بآخر أن تسيطر عليه مغيبات العقل من الانشغال بما يراه المستيقظ فيما يرى النائم؛ أو الإيمان بكرامات تحدث لبشر تفوق معجزات الأنبياء أو القصص الكاذبة وهذه بحد ذاتها لا تغتفر!
من مثلنا مرّ بفترة ما يسمى بالصحوة تألم لقصة نشرتها مجلة شهيرة وتداولها الدعاة على أنها صرخة خطر تكشف مشكلة العنوسة، هذه الفتاة الطبيبة (تصرخ مطالبة أن يأخذوا كل شهاداتها ويعطوها طفلا يقول لها ماما)!.. هذه الفتاة ما كانت سوى رئيس تحرير المجلة السعودية - العائد وقتها من فرنسا - التي نشرت القصة، وقد أكد ذلك لي على حسابه بتويتر عندما أردت التثبت منه أنه من كتبها فتأملوا!
قصة ثعابين القبر التي تتفنن في الالتفاف على عظام المسلمين البسطاء وتحطمها وتجامل وتحترم طغاة العالم!
توبة أحمد وموت أحمد ساجدا وهي قصة لم أعرف أنها مكذوبة إلا مؤخرا!
الكذب على النساء اللواتي حاولن القيادة واختلاق القصص عن كفرهن وفسقهن واتهام أزواجهن بالإلحاد وغيره كذب اعترف به بعض من يملكون الجرأة وندموا على ما فعلوا اليوم لكن ذلك لن يمسح ما علق بهن في أذهان جيل سمع عنهن ولم يعرفهن!
خدعة الحداثة وخطرها التي قتلت مبدعين بتأويلات نسبت ظلما لميزان الإسلام، والحق أن ميزانه بيد رب عدل لا يظلم سيحاسب الظالمين على ظلمهم!
كل ما سبق جانب مؤلم من صحوة جاهلة تريد أن تقسر الناس بالكذب والادعاء وحتى باللغة الأدبية أو بالويل والثبور على فكرة أن يصبحوا نسخة صالحة وبمواصفات معينة فصلتها عقولهم المريضة بحب السيطرة والتصدي للمخالف وتناست أن أول أسرار الإنسان أنه مختلف ولن نتحول لنسخ تشبه الرجل الآلي تسير وتعيش بنمط واحد!
لن أحدثكم عما أصابنا بعد الصحوة أو ما أحب تسميتها الغفوة فهي فترة أساءت للتعليم الجامعي وهاجمت جامعات بعينها وفسقت طالباتها وتغاضت عن أخرى؛ كما ضيقت على النساء وسنت قوانين رافضة لكل ما يحمل اسم امرأة من باب أنه مدخل للشر وكثفت فكرة تكريس الدعوة والوعظ المكرور الممل، فنسمع القصص عينها عشرات المرات حتى أصبحت الداعية ضرورة من ضرورات كل تجمع نسائي من المدرسة للسوق الخيري لمجالس العزاء، فهي أشبه بقراءة الفاتحة على الوعي الذي كان يجب أن يكون!
ما الذي يجعلني أثير ماضيا معروفا لشباب الأمس؟ الواقع أن شباب اليوم بناة الغد يعيشون ما مرّ بآبائهم حذو القذة بالقذة وكأن التاريخ يعيد نفسه كما يقال، فالأم التي كانت بجامعة الملك سعود في الثمانينات الميلادية ابنتها اليوم بجامعة الأميرة نورة اليوم تعيش ما عاشته أمها من اتهام وملاحقة وتضييق!
وما أصاب الأساتذة خصوصا الأستاذات العائدات بمؤهلات عالية يحدث اليوم وبخطوة استباقية للمبتعثات والمبتعثين!
نماذج مشرفة من بنات الوطن ابتعثت وتفوقت.
اكتبوا سامية ميمني - رحمها الله - في ويكيبيديا لتتعرفوا على الدكتورة سامية، التي أصبحت اسما حفر على تاريخ الإبداع العلمي السعودي، وطورت عمليات جراحة المخ كما زينت باسمها سيارات نقل الموتى الخيرية بمكة المكرمة، التي كان قدرها أن تحفظ اسمها وينساه المشككون ببناتنا الرائعات! فهلا تعرفتم على سامية - رحمها الله -؟!
لا شك أننا نسمع كل فترة بتكريم فتيات سعوديات حققن تفوقا عالميا في مجال أو آخر ولكن هناك ثقافة تميت هذه الأخبار وتركز على عبارات من نمط (حدثني شاب مبتعث أن مبتعثة...) وكأننا أمام مركز أمر بالتشكيك ونهي عن الثقة يعتمد على ثقة ينقل لنا الأخبار ولم نعهد أن أحاديث النبي أو قراءة القرآن نقلت عن ثقة مجهول الهوية! بل حتى الثقة مطالب بأن يقدم الدليل على ما يتهم به غيره وإلا حاسبناه بمبدأ القذف!
ثقوا بأبنائنا وثقوا ببناتنا ولا تقبلوا كلام المشككين فهن ينتظرن كلماتنا الواثقة بنجاحهن انتظار هطول المطر في صحرائنا القاسية.
قالت لي نورة المبتعثة إلى بريطانيا إنها تتألم من الهجوم على فكرة ابتعاثهن، فتأملت كلامها بقلب الأم لو كانت ابنتي مكانها ستذكر كلما كانت قبلتها وطنها أن هناك أناسا في الوطن مرتابون بها فأين تيمم؟!
لنخرج من عزلة الأفكار والشكوك وكوارث أمة انشغلت بفك السحر ورقية العين ومهاجمة غيرها وتنزيه نفسها إلى أمة أفلا يعقلون؟ أفلا يبصرون؟ أفلا يتدبرون؟
وطن يتعامل مع المعطيات بعقلية المسلم الواثق بالنفس لا الخائف أو المشكك.