المثل الشعبي يتمتع بروح التداولية وتعميق مفاهيم ومواقف في الحياة اليومية المعاشة، مما أكسبه هذا الحضور والانتشار في التراث الوطني لكل أمة، بل إن بعض الباحثين يؤكد "أن المثل يسهم في تشكيل ثقافة المجتمع وفلسفته وسلوكه، والتفاعل مع الآخرين حيث لم يترك المثل شيئاً إلا وله فيه قول"، هو حكمة مرسلة ومحقونة داخل مضامين مكثفة ومألوفات قولية ملموسة متسمة بالحيوية والتنوع، ولكن المتتبع لحركة المثل وتسريباته لا يراه "حكمة" على الإطلاق، بل يرى فيه المراوغة والتمويه والاستفزاز والمراودات غير المنطقية، وذلك يبدو واضحاً في تماسه والتفاته نحو "المرأة"، فهو ينفتح على تجسيد ضمني جارح ونبرة فظة متعالية، وتوصيف شخصاني ساخر، لكون الذات الذكورية هي مكمن ذلك المثل وصانعة تلك الحكمة، ومنتج ذلك الأرشيف، إنه مادة خصبة للتحليل والاستنطاق والمساءلة، لماذا صورة المرأة في المثل الشعبي مكسورة مهشمة ومستلبة؟، فعنوان الموضوع "من درى عن سعيدة في سوق الحطب؟"، سخرية لاذعة وقهر أنثوي وعنجهية ذكورية غليظة، فلماذا لا يكون سعيد بدلاً من سعيدة، يستحيل ذلك فقد انحاز واحتمى القائل بروادعه الذكورية المسيجة، إن المعضلة لا تسكن في مثلٍ عابر وصادم ولكن المتتبع لمدارات الأمثال وتمثلاتها يلمس ذلك الافتتان في تأجيج الخذلان والاصطفائية الذكورية، فها هي أي المرأة تحضر بقوة في قولهم: "عميا تحني خبلة"..، "أيش معش يا مستورة، قالت حٌق وقارورة"..، "أم بلا بها الشيطان"..، "بنتنا في الصندوق، قال قد علمها ملا السوق"..، "البيت المرة، والمير الذرة، والمال الرجال"..، "حبلى ما تنفس حبلى"..، "خذ من العفنة حفنة"..، "خذها يا بو عنفر وانفر"..، "زوج ولدك من بيت الشجاعة، وزوج بنتك من بيت الشباعة"..، "سعيدة في شقاها ولا حد كفاها"..، "شوقي من أول مليح، وزاد الهوى كمله"..، "صفية ليست وفية"..، "صحت من أمي فجتني بأمها"..، "ضرب الأم ولا ضرب العمة"، "طلاقتي عليش يا جدة"..، "العمة غمة"..، "لا حرمة ولا برمة"..، "لا وجه في مقعد، ولا (....) في مرقد"..، "ما يمدح العروس إلا أمها"..، "معرفتك بالرجال تجارة، ومعرفتك بالنساء خسارة"..، "مخرجها من بيت أبوها عسر"..، "من حبني مزعفرة يحبني مدعفرة"..، "الميت كلب والناعي مرة"..، "الطريق السهلة ولو طالت، وبنت العم ولو جارت"..، "عادت حليمة لعادتها القديمة".

إنها إطلالة عاجلة تفضح ما يسقطه المثل الشعبي من مقذوفات حد القمع والتحقير للمرأة، وكأنها لا تصلح للحياة. إنها سطوة الموروث الاجتماعي وترسبات الوعي المشوه، وثقافة الوأد والتهميش وتكريس معنى الهشاشة الأنثوية أمام الفحولة المزهوة والمثقلة بالتطرف اللفظي المضاد، ونزعة الغرور المعطوب والمتمادي.