في 11 أبريل، نشرت صحيفة "أراب نيوز" مقالا للخبير الاقتصادي "محمد جواد"، حذر فيه من أن النظام المصرفي الغربي يتجه نحو انهيار محتمل آخر، أسوأ مما حدث من عام 2008، وناقش السيد محمد جواد أحد أهم التشريعات التي سنها الرئيس الأميركي "فرانكلين روزفلت" لعكس اتجاه الكساد الاقتصادي قانون - جلاس ستيجال - للفصل بين بنوك الادخار والقروض وبنوك المضاربات والمقامرة.
السيد محمد جواد كتب أن "المستثمرين يبدون عازمين على تكرار السلوك الجنوني الذي كلفهم مليارات الدولارات منذ سنوات قليلة فقط"، وهذا على الرغم من حقيقة أن "الأنظمة المصرفية الأوروبية وفي أميركا الشمالية لم تنج إلا بعد حقن ضخم من أموال دافعي الضرائب.
"في أعقاب الانهيار الاقتصادي عام 2008، اتضح أن المصرفيين والمنظمين بدؤوا يتحدثون بجدية عن تبني المبادئ الأكثر استقرارا وشفافية للتمويل الإسلامي، مقارنة مع الاستغلال المتهور وغير النزيه في كثير من الأوقات للأسواق المالية التقليدية". وأعرب السيد جواد عن أسفه لأن هذه الجهود يغلب عليها جشع البنوك العملاقة التي عادت في أول مناسبة إلى المضاربات نفسها غير المقيدة، التي تسببت لها بالمشاكل قبل سنوات قليلة. الحقيقة هي أن حكومات أوروبا والولايات المتحدة تدخلت لإنقاذ البنوك العملاقة من خلال ضخ مبالغ هائلة من أموال دافعي الضرائب ومن خلال معدلات اقتراض تفضيلية لنافذة الحسومات في البنوك المركزية ووزارات الخزانة، وبذلك غذت الجشع الكامن. وحذر السيد جواد أنه بدلا من حل المشكلة، فإن السلوك نفسه غير المسؤول وحتى الإجرامي أوجد الظروف المناسبة ليتجه المصرفيون الجشعون أنفسهم إلى سقوط آخر قد يكون أكثر صعوبة وقسوة.
السيد جواد حدد بديلا واضحا يتمتع بتاريخ طويل من النجاح في الولايات المتحدة الأميركية: تقسيم البنوك الضخمة بحيث يتم فصل العمليات البنكية التجارية تماما عن عمليات الاستثمار بالمضاربة. يضيف السيد جواد أن "هذا التقسيم المنطقي تماما هو الذي كان موجودا في الولايات المتحدة، بفض قانون جلاس - ستيجال الذي وضع بعد الكساد الاقتصادي في 1933".
ليس هناك شك بأن مشكلة البنوك الضخمة التي لا يمكن أن تنهار لم يحلها الرئيس باراك أوباما والقانون الذي وقعه في 2010 تشريع "دود - فرانك". مع أن بعض أعضاء الكونجرس حاربوا بقوة من أجل العودة إلى قانون "جلاس - ستيجال"، فإن مشروع قانون "دود - فرانك"، التي كتبها إلى حد كبير ممثلون عن مجموعات ضاغطة في "وول ستريت" ومحامون يريدون حماية مصالح عملائهم، تم اعتماده. مشروع قانون دود - فرانك جعل في الحقيقة البنوك الضخمة لدرجة لا يمكن انهيارها أكبر وأكثر عرضة للفشل. البنوك الثمانية الأكبر في الولايات المتحدة تسيطر على حوالي 80% من جميع الصناديق في النظام البنكي في الولايات المتحدة. بعض البنوك الكبيرة لديها مليارات الدولارات في عقود مشتقات معلقة. فالبنوك يعتمد بعضها على بعض في عمليات المقامرة لدرجة أن نائب رئيس شركة تأمين المودعين الفيدرالية حذر من أن الأزمة المالية القادمة ستسبب انهيار النظام البنكي كله في وقت واحد.
لمواجهة هذا الخطر، هناك حاليا حملة متجددة لإعادة تطبيق نظام الفصل بين البنوك، الذي نص عليه قانون جلاس - ستيجال في كل من مجلس الشيوخ الأميركي ومجلس النواب. تم تقديم أربعة مشاريع قوانين منفصلة في الكونجرس لفصل البنوك الضخمة لدرجة لا يمكن انهيارها من خلال إعادة بناء حائط كامل للفصل بين العمليات البنكية التجارية والعمليات البنكية للاستثمار بالمضاربات، وهناك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ ملتزمون بعرض مشروع قانون جلاس - ستيجال على التصويت قبل انتخابات نوفمبر.
"وول ستريت" رد بعنف انتقامي. أعضاء اللوبي الذين يتلقون رواتب كبيرة يعملون على مدار الساعة لمنع عرض مشروع قانون جلاس - ستيجال على التصويت. في نوفمبر الماضي، جلس وفد من كبار المصرفيين من أكبر البنوك التي لا يمكن انهيارها في وول ستريت مع الرئيس باراك أوباما لضمان أنه سيعيق مرور قانون جلاس - ستيجال!! منذ حملته الانتخابية الرئاسية الأولى، يعتمد الرئيس أوباما على أموال وول ستريت لتطوير سيرته السياسية. منذ اللحظة التي وصل فيها إلى البيت الأبيض، أحاط نفسه بخبراء قدماء من وول ستريت، بما في ذلك "تيموثي جيثنر"، الذي كان وزير الخزانة خلال فترته الرئاسية الأولى. جيثنر كان رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك عندما انهار وول ستريت في 2008، وكان أحد مهندسي عملية الإنقاذ التي شملت استخدام 23 تريليونا من أموال دافعي الضرائب في البنوك وشركات التأمين الرئيسية في وول ستريت. في بداية فترته الرئاسية، عين الرئيس أوباما السيد "لاري سومرز" كبير مستشاريه الاقتصاديين في البيت الأبيض. سومرز كان وزيرا للخزانة في 1999 في الوقت الذي ألغي فيه قانون جلاس - ستيجال.
فكرة العودة إلى قانون جلاس - ستيجال الذي ينص على الفصل بين البنوك قد حان وقتها بالتأكيد. ما لم يتم تطبيق مثل هذه الإجراءات المنطقية، فإن النظام البنكي العالمي يتجه نحو انهيار أكبر من السابق بكثير. محمد جواد قدم خدمة مهمة من خلال لفت انتباه قراء جريدة (أراب نيوز) إلى قضية قانون جلاس - ستيجال.