رغم الألم الذي أعياه بسبب المرض، إلا أنه ما إن يسمع قصائده الشعرية حتى تجد الابتسامة قد ارتسمت على محياه، ذلك حال الأديب الراحل إبراهيم بن محمد الدامغ، الذي ووري جثمانه الثرى منذ أيام قليلة بمقبرة الطعيمية بمحافظة عنيزة.
كان"الدامغ" وهو على سرير المرض يُناقش مع زواره الشعر والأدب، بحسب ابنه "محمد" الذي كشف لـ"الوطن" عن عدة جوانب من حياة الشاعر الراحل، موضحا أن والده كان يحزن ويتألم لهموم وأحزان الأمة العربية والإسلامية، منها الوضع في فلسطين ومآسي العرب التي تتوالى عليهم؛ ما جعله يتذكر باستمرار الآلام التي تحل بالأمة؛ وكان يطالبهم أن يتذكروا أمتهم في كل مكان، ويحملوا همومهم، وأخذ العظة والعبرة مما يحدث في العالم.
ويشير "محمد" إلى أن والدته (الراحلة) رافقت زوجها الأديب في رخائه وشدته، مما جعلها تؤمن برسالته، وتتأثر لما تأثر منه زوجها وهو الحِمل الذي في قلبه لتلك الأمة التي أصبحت آلامها وأحزانها جزءا من حياته.
وذكر أنها كانت تولي الاهتمام بهذا الجانب الخاص بزوجها؛ حيث لا يرتاح إلا لوجودها معه، وكانت تهيئ له يوميا الجو المناسب لقضاء ساعاته؛ ليبحر مع الأدب والشعر، فكانت تحتوي المنزل بأكمله لتوازن بين الأبناء والبنات وبين راحة أبيهم في مجال تخصصه؛ مبيناً أن معاناة والده المرضية كانت هي السبب الرئيس لتعب والدتنا وكثرة آلامها نفسياً نظراً لما تسمعه من آهات التعب والإعياء على زوجها؛ وجعلها تتأثر وتتعب هي كذلك، إلى أن توفاها الله وهو في منتصف مرضه؛ مما زاد – هو الآخر - مرضه ألماً مضاعفاً، وأصابته الوحدة رغم وجود أولاده وبناته حوله، لفقده من كانت المعين الأول له في مسيرته، مضيفاً إلى أن والدتهم تأثرت بأدبه وفكره؛ خصوصاً فيما يحمله ويكتبه عن أحوال الأمة الإسلامية.
ويُستعرض محمد ـ الابن الأكبر للدامغ - قصة والده مع أحد أطباء العيون المصريين الذي أجرى لـ"الابن" و"الأب" عملية جراحية فكتب فيه "الدامغ" 99 بيتاً قبل رحلة المغادرة خلال مدة يسيرة لم تتجاوز الثلاث ساعات وقت "العصر" فقط. منها البيتان اللذان يحملان اسم الطبيب:
عليٌ أنت في فلك المعالي
ومُثلك لا يُدان في الكلام
فأنت المُرتضى في كل نهجٍ
وأنت للبرية خيرُ بانٍ
ويحكي ابنه "ياسر" تاريخ والده مع المرض، حيث يذكر بأنه في بداية عام 1427 داهمته الجلطة؛ وكان لا يعلم عنها إلا بعدما ضعف لديه النظر؛ لأنه كان يركز على كتاباته الشعرية والأدبية ظناً منه أن التركيز هو المُسبب لآلام البصر، إلا أن المرض أنهكه جزءاً جزءاً؛ خصوصاً بعد عجز الأطباء عن تشخيص حالته في بدايتها؛ وفي النهاية اكتشف أنها عدة جلطات بالرأس أثّرت على البصر، مشيراً بأنه بعدها بأشهر تم تكريمه في عنيزة في مركز صالح بن صالح الثقافي ولم يلق القصيدة بسبب سوء حالته البصرية، وبعدها تدهورت حالته الصحية وثبتت الجلطة المُؤكدة التي أثّرت على كل جانبه الأيمن ومن بعدها تم إدخاله مستشفى الشفا بعنيزة. وأكد أنه في بداية مرحلة التعب كان يدرك من حوله، وقال "كان والدي يسمع منا ما نُردده من قصائده الشعرية وأدبه، وكان يتبسم وقتها مستشعراً أن ما جادت به قريحته تلك السنوات لم ينس ولم يهمل من قبل أبنائه، وكان مسروراً بذلك؛ حيث كان يناقشنا الشعر والأدب وهو في سرير مرضه، ولكن بطريقة بسيطة جداً وغير مكلفة، ويضيف ياسر: "والدي كان شديد الرفض لأي دعوات أو ندوات بحجة أنه سخر قريحته لهموم الأمة العربية والإسلامية". ويستذكر ابنه جمال في حديث مع "الوطن" بعض المواقف لوالده، حيث يقول "في عام 1409 عند زيارة الملك فهد - رحمه الله - لمحافظة عنيزة؛ كانت على مشارف المُحافظة براويز على المداخل، وقام والدي بخط العبارات الترحيبية ويكتب مباشرة بالفرشة دون رسم الخط أو تجهيزه مُسبقاً".