تعلمت في الرابعة الابتدائية أن "كان" وأخواتها ترفع المبتدأ و"تكسر" الخبر، ولست مخطئا فيما بين القوسين. تعلمت أيضا أن "إن" تفعل العكس. قواعد اللغة بالنسبة لي ليست مجرد حصص إعراب، بل أيضا قواعد حياة. قررت الانحياز إلى "كان" وأخواتها؛ لأنني تعلمت من اختصاصي في "الأسلوبية" في مرحلة لاحقة من التعليم، أن "الأخوات السبع" دلالة ماض وإهمال وإنسان ونسيان. هي أنا بالضبط.
والخلاصة في ربط كل التمهيد بعاليه، أنني صعقت جدا بمكالمة "صديق" يقول لي خلالها إن أسباب اختلافي الواضح في الشهر الأخير من مشواري الكتابي مع "صاحب السعادة"، يعود إلى قصة بينية رفض فيها صاحب السعادة تمرير طلب شخصي لعيون سعادة كاتبكم، ولهذا انطبق علينا المثل الشعبي "فيها... إنَّ". صاحبي الصدوق يقول لي إن هذه "العلاقة" المضطربة هي حديث الناس الذي لا يصل إليّ.
ولهذا سأكتب انحيازي إلى "كان" وأخواتها لأنها تشرح المسألة. ومن كان لديه في كل عرض هذا الوطن وطوله ورقة مطلب شخصي أو جواب على جملة شفهية طلبت فيها من كل أصحاب السعادة خدمة خاصة، فأنا أدعوه أن يفضحني على رؤوس الأشهاد؛ لأن "كان" وأخواتها أفعال ماضية لا تقبل التسول على مكاتب المسؤولين ولا المتاجرة بالكتابة. سأقولها بكل صراحة إنني عشت عامي الأخير كاملا معزولا منعزلا في أمتار مربعة محددة. لم أقابل صاحب السعادة الذي يتحدث عنه صديقي ولو لثوان على كل الإطلاق، ولا يوجد مسؤول في كل مدينتي يستطيع أن يقول إنني جلست على طرف طاولته في كل الأعوام الأخيرة باستثناء "شخصية اعتبارية" واحدة ذهبت إلى مكتبه للترحيب والمجاملة. لم أدخل إلى منتدى أدبي، ولم أغش صالونا ثقافيا ولم أحضر حفل استقبال صغيرا أو كبيرا.
والخلاصة أنني مع كل أصحاب السعادة شيء من أخوات "كان" بدلالاتها الماضوية، ومن كانت لديه جملة أو ورقة يستطيع أن ينقلني بها إلى "إن.. وأخواتها" فليفعل. قد يعمل معروفا ينقلني به من عوالم العزلة إلى دلالات "إن" على المضارع والمستقبل.