تشير دراسة حديثة تتعلق بـ"الاقتصاد النفطي"، بناء على تحليل معلوماتي مسهب لإنتاج دول نفط أوبك، إلى أن توقعات العرض والطلب العالميين على النفط للعقدين المقبلين سيزداد بمعدل سنوي يصل إلى حوالي 0.5 مليون برميل يومياً حتى 2030، وإن كان معدل الزيادة يستمر بطيئاً في الفترة 2010-2015 ويتزايد بعد ذلك نتيجة انخفاض الإنتاج من الدول خارج أوبك.

وهذه الزيادة في إنتاج دول المنظمة مشابهة للزيادة في إنتاجها للعشرين عاماً السابقة لعام 2010، والتي شهد العالم فيها زيادة هائلة في استهلاك الصين بلغت 7 ملايين برميل يومياً وشهد تذبذبات في إنتاج روسيا بلغ في أوجه 10.5 ملايين برميل يوميا، وفي أدناه 6.1 ملايين برميل يومياً إضافة لتغيرات عدة في أنماط الاستهلاك والإنتاج.


البوابة الصينية .. مدخل حيوي

وتعد الصين هي المستورد الصافي الثاني للنفط في العالم بعد الولايات المتّحدة، ومن خلال تعديل محطاتها لتكرير النفط وزيادة طاقاتها الإنتاجية، أصبحت الصين قادرة على استيعاب كميات متزايدة من الخام السعودي (الثقيل)، وهذا ما حول المملكة إلى المصدَر الرئيس لواردات الصين النفطية وجعل الأخيرة، في الوقت ذاته، أهم مستوردي الخام السعودي في نظر المملكة، لكن هذا التحول ما كان ليحدث لولا النمو المتسارع للاقتصاد الصيني الذي تجاوز معدّله السنوي 9 %، إذ يتوقع بعد توقيع "أرامكو السعودية" في يونيو الماضي زيادة إمدادات النفط الخام إلى شركة النفط الصينية "سينوبيك" ليصل إلى 1.5 مليون برميل بحلول عام 2015.

وسجلت هذه المستويات من صادرات المملكة كون الصين أدركت أن وصولها إلى الخام السعودي كان حيويا بالنسبة لنموها وفي الوقت ذاته، كانت المملكة تدرك أنه سيستحيل تكرير المزيد من خامها الثقيل إلا إذا وسعت الصين أو المملكة نفسها الطاقة التكريرية المحليّة للخام الثقيل.

ورغم أن الصين تنتج سنوياً 150 مليون طن من البترول سنويا، إلا أن هذه الكمية لا تلبي احتياجات النمو المتواصل للاقتصاد الصيني، حيث يزداد طلبها على النفط باستمرار مع التنمية الاقتصادية السريعة. وقد انتقلت الصين منذ عام 1993 من بلد مكتفٍ ذاتيا من البترول إلى بلد مستورد له، وتشير بعض الدراسات إلى أن استهلاك الصين من البترول سيصل إلى 400 مليون طن عام 2015.


النفط الصخري

على الرغم من التحليلات الموسعة التي تطرقت إلى بروز "النفط الصخري" الأميركي بدل النفط التقليدي، والذي يهدد مستقبل واردات النفط السعودية، فإنه يمكن الخروج بعدة مسارات حيوية عالجت هذه الرؤية بشكل مهني دقيق، وهي أن إمكانات النفط الصخري في أميريكا لا تزال تصطدم مع الارتفاعات الحادة لتكاليف الإنتاج لأنه يأتي من مصادر غير تقليدية، ويشير هنا الاقتصادي تركي بن عبدالعزيز الحقيل في أبريل من العام الجاري إلى أن الأقاويل التي تفيد بأن الولايات المتحدة ستحقق الاكتفاء الذاتي في البترول بحلول 2015 أو في 2020 أو حتى 2025، حلم بعيد المنال.

وأضاف: النفط والغاز الصخري لن يكونا مصدر تهديد لإنتاج النفط التقليدي الرخيص في دول الخليج وفي المملكة تحديدا خاصة، لأن تكلفة إنتاج النفط من المكامن الصخرية الأميركية تبلغ نحو 65-75 دولارا للبرميل مقارنة بـ 7 إلى 15 دولارا للنفط التقليدي مما يرجح الكفة للنفط التقليدي. وأشار إلى أن ثروة النفط الصخري في أميركا في بعيد المدى ستكون ذات تأثير محدود على الصادرات النفطية الخليجية وتحديدا الصادرات النفطية السعودية.

وفي أبريل الماضي دخل حقل منيفة في عملية الإنتاج النفطي، حيث بلغت معدلاته الإنتاجية اليومية حتى يوليو الماضي – وفقاً لأرامكو السعودية- 500 ألف برميل من الزيت العربي الثقيل، ويتوقع أن يصل الحقل إلى كامل طاقته الإنتاجية والمقدرة بـ900 ألف برميل يوميا بنهاية عام 2014. ويرى خبراء نفطيون أن الطاقة الإنتاجية للمملكة سترتفع في الفترات المقبلة من 12.5 مليون برميل يوميا إلى 13 مليونا.

ووفقاً لخبير النفط الدكتور سالم واب في حديثه إلى "الوطن" استنادا على أرقام وبيانات حللتها روريتز، من أن الطلب المحلي سريع النمو على وقود السيارات وطلب محطات الكهرباء أدى إلى ارتفاع متوسط استهلاك السعودية الضمني للخام إلى 2.4 مليون برميل يومياً، وبالمقارنة بلغت الفجوة بين إنتاج السعودية وصادراتها 1.9 مليون برميل في الفترة نفسها من عام 2005 مما يشير إلى ارتفاع استهلاك السعودية للخام 20 % في السنوات الخمس الأخيرة.

ومعدلات استهلاك الخام الحالية بالسعودية تحد من متوسط صادراتها السنوية عند نحو 10.1 ملايين برميل يومياً وتكون الكميات المتاحة للتصدير في الشتاء أكثر منها في الصيف حينما تزداد الحاجة لمكيفات الهواء. وإضافة 1.2 مليون برميل يومياً أخرى من الطاقة التكريرية ترفع استخدام السعودية المحتمل إلى 3.6 ملايين برميل يومياً بحلول 2017 ما لم تنجح المملكة في تقليل اعتمادها على النفط في توليد الكهرباء. وما لم تصحبها زيادة في طاقة إنتاج الخام تعوض التراجع في الحقول الناضبة فإن زيادة استهلاك المصافي قد تقلص الطاقة التصديرية القصوى إلى نحو تسعة ملايين برميل يومياً خلال خمس سنوات.





الطلب المحلي

في المقابل يرى آخرون أن رمانة الميزان في تعويض الطلب المحلي الكبير على النفط، هو حقل منيفة الذي يمكن أن يلعب دور الحفاظ على كينونة الاقتصاد السعودي النفطي، واستخدامه في مجال الاستهلاك المحلي، إلا أنهم نصحوا في المقابل – حتى تحافظ المملكة على مسارها النفطي- الحد من استهلاك النفط في توليد الكهرباء من خلال استخدام مزيد من الغاز، لأن صافي صادرات المملكة من الخام والمشتقات قد يتراجع بين 600 ألف ومليون ومئة ألف برميل يومياً بحلول 2020 حسب وتيرة الطلب الداخلي ما لم تعزز إنتاج الخام.

ووفقاً لدراسة اطلعت عليها "الوطن" حملت عنوان "الاقتصاد السعودي والطلب على الطاقة"، توقعت أن يتزايد معدل الإنتاج السنوي للمملكة بعد عام 2015 حوالي 1.5% حتى 2030، وتقول الدراسة بحسب المسار المتوقع للإنتاج الفعلي للمملكة حتى نهاية عام 2030 سوف يعمل على إبقاء إنتاجها المفترض ضمن تلك الطاقة الإنتاجية المتوفرة الآن. إن الطاقة الإنتاجية التي تم بناؤها من خلال استثمارات على مدى السنوات الماضية في مرافق الإنتاج والتطوير ستكون كافية للوفاء بالإنتاج المتوقع (لغرض التصدير والاستهلاك المحلي) والإبقاء طوال الفترة على طاقة إنتاجيه فائقة تصل إلى 1.7 مليون برميل يومياً بحلول عام 2030 أي ضمن ما أعلنت المملكة استهدافه في حدود 1.5-2 مليون برميل طاقة إنتاجية فائضة.

إن الزيادة المتوقعة في إنتاج أوبك والمملكة والتي يقدر معدل نموها السنوي للعقدين القادمين بنسبة 1.5 % سنوياً سوف يتم توجيهها لمقابلة النمو في الطلب العالمي وكذلك الطلب المحلي على النفط ومنتجاته. وهذا الأخير كان ينمو بمعدل 3% في أوبك و5% سنوياً في المملكة خلال العشرين عاماً الماضية. فإذا استمر ذلك النمو في ظل النمو الاقتصادي والسكاني ونمو الطلب على الكهرباء والمياه ووسائط النقل فإن نسبة أكبر من الزيادة في الإنتاج سوف تتجه تدريجيا إلى تلبية الطلب المحلي المتزايد بنسب أعلى من معدلات الزيادة المتوقعة في الإنتاج، مما يقلل من الكميات الموجهة للصادرات. وهذا يعني أن قيمة الصادرات (وكذلك الإيرادات) النفطية سوف تعتمد بشكل أساسي على التطورات في أسعار النفط عالمياً وليس على كميات إنتاجه أو صادراته، وهذا ليس جديداً بحد ذاته ولكن سيكون أكثر وضوحاً في العقدين القادمين.

وحتى نوفمبر الماضي بلغت صادرات المملكة نحو 2.42 مليار برميل من النفط، بقيمة 985,6 مليار ريال، وتأتي هذه الأرقام في الوقت الذي انخفض إنتاج منظمة "أوبك" من النفط في نوفمبر إلى أقل من 30 مليون برميل يوميا بسبب الاحتجاجات في ليبيا حيث تسببت الاضطرابات في ليبيا وأعمال الصيانة في نيجيريا في تعطيل إمداداتهما، الأمر الذي أثر على إنتاج أوبك هذا العام. فيما بلغ الاستهلاك المحلي خلال نفس الفترة يقارب 789 مليون برميل يوميا وبنسبة 24.6% من إجمالي الإنتاج في نفس الفترة، بعد تراجع الاستهلاك المحلي إلى 2.3 مليون برميل يوميا مع انتهاء فتره الصيف. مع تحسن ملحوظ لصادرات المملكة ومع تراجع الاستهلاك المحلي وبقاء إنتاجها فوق 9.65 ملايين برميل يوميا.