لم يكن قرار إعفاء معالي وزير الصحة السابق الدكتور الخلوق "عبدالله الربيعة"، إلا دليلاً على حرص القيادات العليا في الدولة على سلامة مواطنيها وتمتعهم بالصحة، وتغليب المصلحة العامة للمواطنين على أية مناصب أو أسماء، والبحث عن الحلول الناجعة التي من شأنها تقديم الأفضل وتحسين الأداء، ومحاصرة فيروس "كورونا" والقضاء عليه في أسرع وقت ممكن، وتلافي أية سلبيات قد تنتج عن انتشاره الأمر الذي قد يتحول معه إلى وباء، قدم معالي الوزير السابق مشكوراً ما لديه من خبرات لوطنه ويستحق عليها الشكر حتماً، وجاء الدور الآن على خلفه المكلف معالي الوزير المهندس "عادل فقيه"، وهو الرجل الذي جاء إلى وزارة العمل، وقدم في فترة وجيزة حلولاً ساعدت في القضاء على نسبة جيدة من البطالة، والحد من التسيب المتفشي في سوق العمل، ورتب بشكل جيد أيضاً أعمال الوزارة بطريقة لم ترق للكثيرين يومها، لكنها وللحق منحت وزارة العمل حضوراً هائلاً كجهة مسؤولة عن سوق العمل السعودية، التي تعتبر أكبر أسواق المنطقة من جوانب كثيرة، وكان ذلك نتيجة لقدوم معاليه من ميدان العمل الخاص، الذي يعتبر ميداناً رحباً تُقدم فيه الأفكار وتطرح للتجريب عملياً بحرية أكثر، وتتنوع في كيفيتها وآلياتها للتعامل مع المشكلات، وهو ميدان ممتاز جداً لتطبيق الأفكار وتجريب فاعلية الحلول لمختلف المشاكل، مما ساعده على النجاح في إدارة وزارة العمل.

بعض الأصدقاء تساءل عن سبب اختيار "فقيه" لمنصب وزير الصحة، رغم اختلاف التخصص كونه مهندساً معمارياً وليس طبيباً، إلا أنني في الواقع أرى أنه ليس صحيحاً أن كل المتخصصين في شؤون وزاراتهم قد نجحوا على الدوام في إدارتها بكفاءة، فالمسألة هنا متعلقة بالإدارة والقيادة والتنظيم والتحكم واتخاذ القرارات، وهو ما تحتاج إليه المناصب القيادية أساساً، وليس شرطاً على الإطلاق أن يكون رأس القيادة هنا متخصصاً في الطب مثلاً، فشخصية الطبيب عادة ما تكون متعاطفة أكثر من كونها صاحبة قرارات حاسمة، ولنأخذ مثلاً الرجل القيادي الرائع والعلامة السعودية الفارقة الدكتور الراحل غازي القصيبي –رحمة الله عليه-، الرجل الذي تقلد مناصب وزارية عديدة قدم من خلالها أنموذج القيادي باقتدار، بداية بوزارة الصناعة والكهرباء (1976م - 1396هـ)، ثم وزارة الصحة (1982م – 1402هـ)، فوزارة المياه والكهرباء (2003م – 1423هـ)، وانتهاءً بوزارة العمل (2005م – 1425هـ)، هذا غير مناصبه الأخرى كسفير لبلده في كلٍ من البحرين وبريطانيا، وهذه التنقلات دليل نجاحات حققها الراحل في أكثر من وزارة على الرغم من عدم تخصصه في شؤون أيّ منها، كما أن هناك نماذج عالمية أخرى لم توفق في قيادة وزاراتها كما يجب، والحقيقة ومن وجهة نظري أن الدكتور "الربيعة" لم يفشل في مهمته بقدر ما كانت المسؤولية والتجربة الإدارية جديدة ومختلفة فقط، وهذا لا يقلل من مكانته حتماً، فهو طبيب معروف عالمياً له إنجازاته وقدراته على مستوى الممارسة لمهنته كطبيب..

الآن نحن أمام السؤال الحقيقي: ما الذي يستطيع أن يقدمه معالي الوزير الجديد "عادل فقيه" لوزارة الصحة بشكل عام، خاصة أن أول التحديات يتمثل في فيروس "كورونا" وانتشاره المزعج حالياً؟

على أية حال دعونا نترك التنظيرات والمراهنات حول ما حدث أو حول المستقبل جانباً، ولنبدأ في دعم هذا التغيير بما يمكن أن يكون نوعياً، لخدمة آمالنا جميعاً في الحصول على وزارة صحة قوية ونموذجية، تلبي بالفعل الاحتياج إلى خدماتها المهمة، فكما أنه لنا انتقاد التقصير ومكامن الخلل، لنا أيضاً فرصة تقديم الأفكار والمقترحات التي قد تكون ذات فائدة عظيمة.