يوم يذهب ويوم يأتي.. والحياة تستمر لمن كتب الله له العمر ليعيش ويشهد ويعمل، التوقف ممنوع.. اليأس ممنوع، إن التوقف يعني أن نغرق.. كيف نسمح لأنفسنا بأن نغرق والله سبحانه أعطانا العقل لنفكر ونتدبر! بدلا من أن نتتبع خطوات الغير وحياتهم وكلماتهم، لنفكر كيف نؤسس الطريق لخطواتنا.. بدلا من أن نبحث عن عثرات الغير لنشرها إما انتقاما أو شماتة.. لنفكر كيف نتعاطف ونستر ونصلح.. لكن للأسف أصبح النقد حربا والنصيحة فضيحة والمحبة عداءً والتسامح والتصالح ضعفا وبلاء!

نخرج كل يوم لحياتنا اليومية، طالبين الرزق.. طالبين العلم والمعرفة.. وقد نكون في مهمة أو زيارة أو حتى تسوق أو تسلية وترفيه، لا يهم الهدف المهم هنا أننا لم نعد نشعر بالراحة والاطمئنان.. إن تحدثنا تفسر الكلمات حسب كل قاموس إلا قاموس اللغة الإنسانية.. وإن كتبنا شُرّحت الكلمات وصلبت الأحرف، وإن مشينا في الشارع نتلفت هل نحن مراقبون، هل إن حدث لنا أمر لا سمح الله سنجد صورنا على كل ساحات التواصل الاجتماعي.. منهم من يتهم ومنهم من يجيش المشاعر ومنهم من يشحذ باسمنا، بألمنا، بمصيبتنا.. أداة تستخدم حسب المراد والهدف! في عرف الكثير أصبح الكل متهما حتى تثبت براءته، والنيات تفسر حسب موقع الفرد من هذا الموضوع أو ذاك!

كل يفكر كيف يصعد على أكتاف غيره.. ماذا حدث لنا؟.. كيف أصبحنا بين يوم وليلة الإخوة الأعداء؟! بدلا من أن نحمل في قلوبنا ورود المحبة والعطاء أصبحنا مدججين بأسلحة الدمار الشامل.. كراهية، فضائح، هجوم ومعارك!

العقل أصبح مشغولا؛ هل مظهري مقبول؟ كيف سأفهم عند كل كلمة وكل تصرف؟ ماذا سيقول هذا أو تلك عني؟ هل سأنجح أم سأفشل؟ كم بقي لي من العمل لأنتهي؟ ما الأشياء التي أملكها والأشياء التي لا أملكها؟ ما هو موقعي بالنسبة لكل من هم حولي؟ هل أنا في الريادة، على الهامش، أم لا مكان لي من الإعراب؟ أسئلة منها ما يهم ومنها ما لا يهم، بل منها ما يعطل ويشغل الفكر وقد تحيده عن المسار الصحيح، وبدلا من أن يسير ويبني.. يقفز ويتدحرج وإن تقدم خطوة عاد بعدها ألف، ليس بالضرورة على المستوى الوظيفي أو الاجتماعي ولكن بالتأكيد على المستوى الإنساني!

من الطبيعي أن نفكر وننشغل، خاصة في الأمور المصيرية، نريد التقدم، نريد المزيد من هذه الحياة وعلى جميع الأصعدة، ولكن ماذا سنخسر إن كان التفكير إيجابيا؟.. نتقدم دون أن نهدم، نسير دون أن نسد الطريق، نأخذ ما هو لنا ونترك ما هو لغيرنا، نطلب دون طمع، ونعطي بلا حدود من الابتسامة للكلمة الطيبة وكل ما قد يأتي بينهما من ماديات؟! ليس كل شيء يحسب بالورقة والقلم.. بعض الأمور بعفويتها ونقائها لا تقدر بثمن.

نسمع من يردد علينا: ذهب الزمن الجميل.. زمن الرحمة والتآخي والعطاء.. وأقول لهم: لم يذهب شيء.. الحياة هي الحياة والبشر هم البشر فقط تغيرت الأدوات والأهداف.. إن الأساس موجود.. البذرة الطيبة ما زالت بدواخلنا تنتظر من يسقيها ويسهر عليها.. كل ما علينا هو أن نركز على أنفسنا.. لنعود للمركز.. للأصل ونترك مراقبة وملاحقة حياة الغير.. لا أحد معصوم ولا أحد غير قابل للتغيير، أي مشكلة لها حل.. لنفكر بمشاكل الأمس وكيف أصبحت من الماضي.. كيف كنا نعتقد بأنها جبال ولم تكن سوى تلال أو ربما ظلال!

هل انتهت حياتنا؟.. هل وقعت السماء علينا أم ابتلعتنا الأرض؟! انظر في المرآة.. من الذي يطل عليك.. أليس أنت؟! مازلنا هنا وما زالت الحياة.. نعم هنالك كوارث.. نعم هنالك مصائب.. ولكن قبل وبعد وخلال هناك رب رحمن رحيم يقدر ويلطف بعباده.. قد ندرك الحكمة وقد لا ندركها ولكن يجب ألا ننسى أن من قدر هو العادل هو العاطي الوهاب وهو المنتقم الجبار وهو من يحاسب ويقضي.. إذن لنترك كل التشنجات ولنرخي الأعصاب ولنسير بنور الله سبحانه ونطلب منه أن يعيننا على أنفسنا.. قد لا نرى الطيبين من حولنا، ولكنهم موجودون "ولو خليت خربت"! إن كل ما في الأمر أن عدم رؤيتهم نابع من تشويش في الإرسال ليس من الخارج بل من أعماق دواخلنا.. لنعمل على تنقية المصدر والباقي سيأتي تباعا بإذنه تعالى، لنتصالح مع أنفسنا لنقوى على أن نسامح ونغفر ونتصالح مع كل آخر.. مع الحياة، اضمن عمرك وعمر من تبادله العداء أو انصرف إلى نفسك وابدأ بالبناء، وكل ما هو غير ذلك ليس سوى عبث وهباء!