يقول الدعاة ورجال الدين، إن الأصل في "رياضة البنات" هو الإباحة، بل قد تجب أحيانا إذا كانت البنت أو المرأة تعاني من السمنة، ولكن بشرط أن تمارس الرياضة في بيتها!، أما أن تقرر الرياضة كمادة في مدارس البنات فإن ذلك محرّم شرعا!.
وإذا سألنا المشايخ الكرام عن سبب التحريم هذا؟، فإن الإجابة عن ذلك للأسف غامضة وغير واضحة، فتارة يقولون إن هذا الموضوع من الكماليات، وتارة يقولون إنه يخضع لمسألة الحلال والحرام، فهو موضوع يتعلق بالشريعة وأحكامها، وليس من اختصاص مجلس الشورى، كما يعدّون ذلك من الفتن التي يثيرها المنافقون والعلمانيون في هذا العصر!.
وبناء على ما سبق، فإني أتساءل: لماذا تعدّ "رياضة البنات" في المدارس أو حتى النوادي الرياضية من الفتن؟..
بعض الدعاة يقول "إن مثل هذه القضايا لها مآلات خطيرة لا يدركها إلا أصحاب الاختصاص"، وعلى هذا الأساس يقول أحد الدعاة "هي ليست سوى مخطط تغريبي كسائر مخططات التغريب الموجهة ضد هذه البلاد، وتدعمها قوى داخلية وخارجية، بدأت تأخذ طريقها في عدد من قضايا المجتمع كالتربية البدنية للبنات والابتعاث وغيرهما"!.
ومن القول السابق نفهم أن رياضة البنات عند البعض كالجرثومة الباقية التي تظل حتى يحدث الوباء، إذا لم تعالج وتقتل في وقتها، ليكون السيناريو المتخيل عند بعض الدعاة ورجال الدين، على النحو التالي:
• سيكون في بادئ الأمر الزي الرياضي المحتشم، ورويدا رويدا تتغير الملابس، فتلبس الفتاة ما تشاء من الملابس الرياضية المثيرة والضيقة، التي سوف تعتاد عليها الفتاة في سن مبكرة، ثم تخرج بلباسها في الشوارع والطرقات.
• المخطط التغريبي يأخذ في الحسبان أن المجتمع المسلم لن يقبل أن يخرج عن تقاليده دفعة واحدة، ولكن الأمر يكون بالتدرج منعا لإثارة الشكوك، لذا ستكون الرياضة في بادئ الأمر مجرد مادة تربوية في مدارس البنات، ثم تستمر الخطة في المطالبة بفتح نواد رياضية للنساء فقط وفق الضوابط الشرعية، ثم المطالبة بمشاركة المرأة في الأولمبياد، إلى أن يحقق المخطط أهدافه، فتكون هناك نواد مختلطة بين الجنسين، بل سوف يشاهد المجتمع مباريات نسائية في كرة القدم والسلة والطائرة.
• رياضة البنات مثل مخطط الابتعاث، يتم إرسال "الشبان الصغار بأعداد متزايدة إلى أوروبا، وهم في سن الفتنة، غير محصنين بشيء، لينهلوا من العلم إن شاؤوا ومن الفساد إن شاؤوا، أو من العلم والفساد معا في أغلب الأحيان، ثم يعودوا ليكونوا رأس الحربة المتجه إلى الغرب، الذي يجر بلاده كلها إلى هناك".
• المخطط التغريبي للمجتمع يعمل ببطء ولكنه أكيد المفعول كما يقول البعض، يعمل عمله دون أن يتيقظ الناس للتغيير، فمن خلال رياضة البنات يجب أن تكون الفتاة رشيقة خفيفة الحركة، لتنتقي من الأزياء ما تشاء بحيث تظهر رشاقتها وتظهر زينتها، وتكون جذابة في مشيتها، فينجذب إليها الشباب ويعجبون بها، فيعج المجتمع بالفتن ما ظهر منها وما بطن، فتتحطم الأخلاق والتقاليد ومن ثم الدين.
هذا هو السيناريو المتخيل في أذهان بعض الدعاة ورجال الدين بخصوص التوصية بإقرار رياضة البنات في المدارس، وهذا هو أيضا السر الذي يقف وراء التحريم باسم الشريعة والدين، وهم يستشهدون على ذلك بما حصل في بعض البلاد الإسلامية التي كانت قابعة تحت الاستعمار البريطاني والفرنسي آنذاك.
يسخر البعض من توصية مجلس الشورى ويقول إن الأعضاء انشغلوا بموضوع تافه لا يستحق النظر فيه، وتركوا المواضيع التي تهم المجتمع وراء ظهورهم، وفي نفس الوقت يقولون إن هذا الموضوع بالذات له آثار خطيرة على المجتمع!، ويسخرون أيضا عندما يقولون ماذا فعلت التربية الرياضية في مدارس الذكور، متجاهلين الأندية والمراكز الرياضية المخصصة لهم فقط دون الإناث، ويقولون أيضا إن هناك من يدعو إلى الفتنة وإلى تقسيم المجتمع، وفي نفس الوقت يتهمون من اقترح ووافق على هذه التوصية بأنهم من العلمانيين والمنافقين ومن أذناب الغرب الفاسق!.
يقول أحد الدعاة عن المخطط التغريبي، إنه يهدف إلى "إخراج الأمة الإسلامية من الإسلام.. وتركيز المخططين على قضية المرأة، لعلمهم أنها من أفعل الوسائل في الوصول إلى الهدف المطلوب.."!، والحقيقة ليس هناك مخطط تغريبي، وإنما هناك تغير وتطور يمر به المجتمع اليوم، وسبب الاعتراض على توصية إقرار التربية البدنية ما هو إلا أوهام تشربها البعض حتى الثمالة من آراء سياسية قديمة، إضافة إلى الخوف من اضمحلال السلطة الدينية في المجتمع.
فقد اعترض البعض في الماضي على تعليم وعمل المرأة بنفس الأسلوب والمنهج، وكذلك بنفس المفاسد والمخاطر، فأصبح أي موضوع يتعلق بالمرأة ما هو إلا مخطط تغريبي يهدف إلى إخراج المرأة من بيتها، وقد تناسى هؤلاء مساوئ وسلبيات المجتمع المنغلق، وحالات التوتر النفسي التي تعيشها الفتيات وهن محبوسات في بيوت آبائهن ينتظرن ما يقسمه الدهر لهن من أزواج.
إن أول مشكلة تواجه المرأة اليوم هو الفراغ الكبير الذي تعيشه في حياتها كل يوم، فماذا تصنع مع هذا الفراغ؟، فإما أن تستثمر طاقتها ووقتها في العمل والمشاركة الاجتماعية بدلا من تبديد طاقتها وإهدار وقتها في التراخي والكسل، أو ممارسة الرياضة في الأندية والمراكز الرياضية، إضافة إلى الإسهام في أعمال الخير ومؤسسات العمل التطوعي لخدمة المجتمع في مجالات الصحة والتعليم والثقافة والتوعية الاجتماعية.
في الماضي كانت المرأة تعيش النشاط والحركة والخروج من المنزل للعمل في المزرعة أو إطعام الحيوانات ورعايتها، واليوم تعيش المرأة جامدة في البيت، تقضي وقتها في مشاهدة المسلسلات التلفزيونية أو التحدث بالهاتف مع أرحامها، فيا ترى ما نصيحة الدعاة ورجال الدين لهذه المرأة المسكينة؟.