أكتب هذا الأسبوع من الأردن، حيث عقد اجتماع رفيع المستوى لاستكشاف سبل جديدة لتعزيز الاستثمار والتبادل التجاري بين الأردن ومجلس التعاون، وهو جزء من مشروع أكبر للشراكة الاستراتيجية بينهما تم تأسيسه منذ عامين. ففي ديسمبر 2011، أعلنت قمة مجلس التعاون، المنعقدة في الرياض، تأسيس هذه الشراكة، ولم يكن من المستغرب أن يبدي البعض في المنطقة تشكّكهم في جدوى وفعالية هذه الشراكة، نظراً للتحديات التي تواجه دول المنطقة وفشل عدد من المحاولات التكاملية السابقة بينها.

وأبدت بعض الأطراف معارضتها لهذه الشراكة، خاصة من يُضمر السوء للأردن مثل القوى المتطرفة في إيران وحلفائها، والقاعدة ومشتقاتها، التي تتطلع إلى التفرد بالأردن وزعزعة استقراره، بعد العراق وسورية.

وبعد إعلان الشراكة في قمة الرياض، اتخذ مجلس التعاون والأردن خطوات سريعة أثبتت خطأ المتشككين، فأعلن المجلس عن برنامج جديد للمساعدات التنموية للأردن بقيمة خمسة مليارات دولار، يهدف البرنامج إلى دعم قدرته على تمويل خططه التنموية.

وكان الأردن في عام 2011 يواجه واقعاً اقتصادياً قاتماً، نتيجة الظروف الإقليمية والركود الاقتصادي العالمي، حيث انخفض نمو قطاع السياحة مثلاً ومعه قدرة الحكومة على تمويل مشاريعها.

وزاد من تعقيده الأزمات المستمرة في العراق وسورية، بالإضافة إلى تحديات القضية الفلسطينية. إذ يستضيف الأردن نحو مليون لاجئ سوري، ومثلهم من العراقيين الذين فرّوا من الفوضى في بلادهم. ويتحمل الأردن عبئاً كبيراً كذلك في مواجهة التداعيات الاقتصادية للقضية الفلسطينية، حيث تقدر وكالة غوث اللاجئين (أونروا) عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن بنحو مليونين، فضلاً عن الكثيرين من غير المسجلين لديها.

وبالإضافة إلى العوامل الإقليمية، أثرت الأزمة المالية العالمية في الاقتصاد الأردني. كان الأردن قد سع إلى تعزيز صادراته عن طريق توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة عام 2001، واتفاقية مشاركة مع الاتحاد الأوروبي عام 1997، ثم حصل على "موقع متقدم" مع الاتحاد الأوروبي عام 2010. ولكن الركود العالمي أدى إلى ضعف الطلب على صادرات الأردن، على الرغم من تلك الاتفاقيات.

ونتيجة لهذه التحديات الإقليمية والدولية، ارتفع معدل البطالة وما يتبعه من تداعيات اقتصادية واجتماعية وأمنية، حيث قُدر معدل البطالة بنسبة (13) بالمئة عام 2012، وبين الشباب (30) بالمئة، وفي الوقت نفسه انخفضت إمكانيات الحكومة المالية بسبب الركود الاقتصادي.

ولذلك كان الهدف الرئيس لحزمة المساعدات الخليجية دعم الأردن للتعامل مع هذه التحديات، بتمويل المشاريع التنموية في مناطق الأردن المختلفة، مما يخفف العبء على الدولة في تمويلها.

وبالإضافة إلى المساعدات التنموية، كثف مجلس التعاون والأردن جهودهما لوضع خريطة واضحة لأبعاد الشراكة الاستراتيجية بينهما. ووضعا لذلك "خطة عمل" مدتها خمس سنوات ترتكز على ثلاثة محاور: التنسيق السياسي، التكامل الاقتصادي، وتعزيز التواصل الثقافي والشعبي. وبناءً على تلك الخطة، تم تشكيل أكثر من عشرة فرق متخصصة لتنفيذ أجزاء مختلفة منها، في المجال الاقتصادي، والسياسي، والقانوني والقضائي، والطاقة والنقل والاتصالات والزراعة والطاقة والموارد الطبيعية والبيئة، فضلاً عن التعليم والبحث العلمي، والسياحة، والتنمية الاجتماعية، والثقافة والإعلام، والشباب والرياضة. أي في جميع مجالات الحياة تقريباً.

وفي المجال الاقتصادي، في حين أن المساعدات حل قصير المدى لدعم قدرة الحكومة على تمويل المشاريع التنموية، إلا أن التجارة والاستثمار هما الوسيلتان الأنجع على المدى الأبعد لأنهما محرك التنمية وقاطرة النمو ومصدر الوظائف ورفع مستوى المعيشة للمواطن العادي. ولهذا ركز المسؤولون الأردنيون والخليجيون في اجتماعهم في عَمّان هذا الأسبوع على مناقشة محفزات الاستثمار وتسريع التبادل التجاري.

والاستثمار الذي نتحدث عنه هو استثمار القطاع الخاص بالدرجة الأولى. ويتطلب المستثمرون أمرين: ضمان رأس المال، وتحقيق مردود مناسب، ولكن موقع الأردن في منطقة تحف بها الاضطرابات يشكل تحدياً أمام كليهما. ومن المهم إدراك هذه الحقيقة والتعامل معها مباشرة.

وفيما يتعلق بالتبادل التجاري، فإن الأردن ودول المجلس الست أعضاءٌ في اتفاقية التجارة الحرة العربية منذ عام 2005، ولذلك فإن ثمة توافقاً بينها في مسألة الرسوم والإجراءات الجمركية حيث نجحت الاتفاقية في تخفيض الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء، ولكن ذلك لم ينتج عنه زيادة ملموسة في حجم التبادل التجاري بين الأردن وجيرانها، لأن الاتفاقية إنما تضع حدوداً دنيا فقط للتكامل التجاري، ولذلك يتعين إعادة تقييم آثارها والبحث عن طرق إضافية لتوسعة نطاق التعاون التجاري بين الأردن والمجلس، خاصة في مجال الخدمات.

وقد تمكن الفريق الاقتصادي الخليجي الأردني المشترك أن يتوصل إلى عدة توصيات يمكن أن تعالج هذين الموضوعين (تعزيز الاستثمار وزيادة التبادل التجاري)، منها:

- استطلاع آراء المستثمرين من الجانبين للتعرف على العقبات التي يواجهونها، وتنظيم اجتماعات لهم مع المسؤولين الحكوميين لمعالجتها.

- تحفيز المستثمرين – فقد نجح الجانبان في استخدام حوافز مثل الإعفاءات الضريبية ودعم الصادرات، ويرغبان الآن في استكشاف وسائل أخرى متاحة، مثل القروض الميسرة وضمانات الاستثمار والقروض.

- وقع الأردن ومعظم دول المجلس اتفاقيات لتفادي الازدواج الضريبي، واتفقا على استكمال هذه المنظومة مع بقية الدول الأعضاء، لتفادي دفع ضرائب مزدوجة.

- تشجيع شراكات القطاع الخاص. شارك في اجتماع عمّان ممثلون من القطاع الخاص الأردني والخليجي، واتُفق على عقد مؤتمرات للاستثمار والتجارة لتسهيل عقد مثل هذه الشراكات.

- إعطاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تسهم في إيجاد وظائف جديدة للشباب، اهتماماً خاصاً. ودعا الفريق ممثلي هذه المؤسسات إلى الاجتماع في المستقبل القريب لاستكشاف فرص الاستفادة من برامج الدعم المتوفرة لدى الجانبين.

وبالإضافة إلى الفريق الاقتصادي، تعمل الفرق الأخرى على وضع لبنات عملية مشابهة لتشييد الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين الأردن والمجلس. وفيما يتطور هذا العمل، يمكن أن يقدم مثالاً للتكامل الإقليمي الذي يبنى على الروابط التاريخية والمصالح الإستراتيجية معاً. وهو محتوم النجاح، إن شاء الله، رغم الصعوبات الكبيرة المتوقعة في مثل هذا المشروع.