ما إن تم تصويت مجلس الشورى على توصية لجنة الشؤون التعليمية والبحث العملي، بشأن دراسة إضافة برامج للياقة ورياضة البنات في المدارس والجامعات؛ الذي انتهى بالأغلبية المؤيدة، حتى بدأ بعض المتشددين بمهاجمة هذه التوصية، ووصفها بالمخطط التغريبي، وبأنها كبيرة من الكبائر، في تغييب كامل لرأي الإسلام الحقيقي الذي لم يأت فيه لا من القرآن ولا من السنة ما يحرم ممارسة المرأة للرياضة.

عزف البعض على أوتار العاطفة الدينية؛ من أجل حشد المؤيدين لاعتراضه على توصية مجلس الشورى لرياضة البنات يأتي امتدادا لعدة متغيرات في المجتمع على مدى التاريخ السعودي، الذي كلما وصل لمرحلة حاسمة للتغيير في المجتمع، حتى أتى من يحاول منع حدوث ذلك بحجة سد أبواب الفتنة، وبأنه ليس إلا مخططات تغريبية لنشر عادات دخيلة على قيمنا الإسلامية، وما إن يمضي بنا الزمن بعد إقراره وفرضه من قبل السلطات العليا في الدولة، حتى نراهم هم أنفسهم من أبدوا اعتراضهم في بداية الأمر يمارسونه بل ويحثون عليه ويفتون بجوازه، ولنا في المشايخ الذين حذروا من الشر الذي ينتظرنا إثر دخول القنوات الفضائية إلى السعودية خير مثال، بعد أن رأيناهم وقد أصبحت لهم برامج ثابتة في أهم القنوات الفضائية، التي كانوا يحذرون منها. أجزم بأنه في عصرنا الحالي لا يختلف اثنان على ضرورة تعليم المرأة، وبأنه حق مشروع ولا يمكن لأي شخص حتى وإن كان ولي أمرها أن يحرمها من هذا الحق، ولكن لو عدنا إلى ما قبل عام 1959، لوجدنا أن هناك أغلبية من المجتمع السعودي لا تقر تعليم المرأة، بل تراه من الفتن التي تهدد عفتها وحشمتها، وأنه ذريعة لخروجها اليومي من المنزل، الذي لن يكون سوى تحقيق لأهداف المخططات التغريبية التي تدعو لسفور المرأة وتحررها، وكانت من ضمن المبررات التي استخدمها المعارضون لإضفاء المزيد من الحجة على رفضهم لتعليم المرأة، هو أنه سيتم استقدام معلمات ومشرفات من الدول العربية، واللاتي حتما سيجلبن معهن ثقافة عدم لبس الحجاب والتبرج، مما يؤثر على ثقافة المجتمع السعودي، ولكن سرعان ما تغيرت آراؤهم حول تعليم المرأة، فما أن نطق القرار الملكي بإنشاء المدارس النظامية لتعليم البنات في يوم الجمعة 21 ربيع الثاني من عام 1379، حتى وجدنا أن أول من ألحق بناتهم بالمدارس هم من كانوا يوما ما من أشد المعارضين لتعليمها، بعد أن بدد الواقع مخاوفهم وأيقنوا أنها كانت مجرد أوهام.

الاعتراض على المتغيرات في المجتمع ليست سمة خاصة في تاريخنا السعودي، بل هي صفة مشتركة بين كل المجتمعات العربية والدولية، يقول حافظ وهبة: "لقد قامت قيامة أهل الزبير وبعض البصريين حينما اعتزمت حكومة العراق فتح مدارس للبنات في البصرة، فعدوا ذلك من أعظم المنكرات"، وعما حدث حول تعليم المرأة في مصر الشقيقة يقول عبدالقادر القط "لقد صاحب افتتاح مدارس البنات في القاهرة ضجة كبيرة"، وفي البرتغال أيضا كان هناك خلاف حول تعليم المرأة، الذي قال عنه بياتريس دوبون: "ولم تتضمن وثيقة التعليم في البرتغال حتى عام 1971 أية إشارة إلى تعليم المرأة، ولم يتم تقرير التعليم الإلزامي فيها إلا بعد سنوات"، وعلى الصعيد العالمي وفي دراسة إيزابيل ديبلي الدولية حول تعليم البنات تقول: "وقد يبلغ الأمر حد الشعور بأن إرسال البنت إلى المدرسة ضرب من العار".

ما يدور الآن ويحدث حول قضية رياضة الطالبات، هو تكرار لما حدث حول تعليمها، والتاريخ يعيد نفسه عند كل تغيير في المجتمع، وما يختلف فقط هو الزمن والأشخاص. يجب علينا أن نعي أن ديننا الإسلامي الحنيف متوافق مع كل الأزمان، ومرن مع كل ما يحدث من تغيرات، وكل ما علينا هو أن نبدد مخاوفنا وشكوكنا حول أي تغيير قد يحدث في مجتمعنا، وأن ننظر له بعين النحلة لا بعين الذبابة، وما نكرره من جدل وانقسام عند كل تغيير لن يصل بنا إلى شيء سوى أن الواقع سيفرض نفسه سواء شئنا أم أبينا، ولذلك يجب علينا أن نضع إيجابيات التغيير أمام العربة، ونحثها لتقلنا نحو ما نصبو إليه من تطور وازدهار وفقا لشريعتنا الإسلامية، لا أن نجعل من مخاوفنا وشكوكنا كمن يضع الحصان خلف العربة.

أكثر ما يهدد سلامة التغيير في المجتمعات، هم من يغلفون شكوكهم ومخاوفهم وآراءهم الشخصية بالدين، حتى نفاجأ يوما ما بأنهم يأتون ما كانوا ينهون عنه، وقد تغيرت آراؤهم التي عارضوها سابقا بحجة الدين، وما تغير الدين ولكنهم أصبحوا أكثر فهما له.