يعرف صوت المطر في سماء الطائف جيدا! وهذا الصوت ليس هو!.. حتى اللغة لم تكن من قاموس السحاب، بل تنهمر من فضاء آخر! "فايق لما راحو أهالينا مشوار.. تركونا وراحو قالوا أولاد زغار"! كيف سكنته هذه البهجة، تلبسته، وهو لم يخط خطواته الأولى إلى المدرسة؟! من أي حلم تداعى هذا الشال الحريري ليلامس وجنتيه ويوقظه، ليجد أهله قد تجمعوا حول صندوق خشبي يراه لأول مرة في بيتهم، تتبع مصدر الصوت، وقف خلفهم لم يشعروا به، ولم يشعر بنفسه، أية دهشة تجمعت في عينيه! أي نهر من التساؤلات تجمد على شفتيه! وأية رغبة جمحت بذلك الطفل ليدخل مع صاحبة هذا الصوت الياسميني إلى قلب صندوق العجائب المتدفق حلما "ودارت فينا الدار ونحن أولاد صغار"! بل هو الذي دارت به الدار حول محورها الجديد، ومنذ تلك النظرة دخل حالة عشق معهما، فيروز والتلفزيون! أرهق ذويه وهم يحاولون صرفه، إقناعه ليغير وجهته قليلا، لينام! ولكنه كان عاجزا عن مقاومة سلطان تلك الأحلام التي يحيكها الصندوق، شبّا معا، وذات نشوة أخرى تنبّه أن هذا العالم فيه ألوان غير الأبيض والأسود، ما فطن لها. ما أحسّها. إلا حين تلون صندوقه السحري! كبر وبقي الصندوق شابا رغم عهدهما القديم "تعا تا نتخبى من درب الأعمار، وإذا هني كبروا نحنا بقينا صغار، وسألونا وين كنتوا، وليش ما كبرتوا أنتو، منقلن نسينا".

تحية لهيئة الإذاعة والتلفزيون بمناسبة احتفالاتها بمرور خمسين سنة على بدء البث التلفزيوني والإذاعي في المملكة.