من المسلمات، أن التجاذبات والخلافات بين الإخوان في الأسرة الواحدة، لا تنتهي ولن تنتهي، إذ إن تطابق وجهات النظر على الدوام أمر مستحيل حدوثه، فقد تتطابق الآراء في بعض المرات لكن ليس في كل المرات. أختلف في مرات كثيرة مع إخواني نتناقش نصر على مواقفنا، يغضب أحدنا من الآخر، كما هو الحال في أغلب الأسر، قد يكون الحق مع هذا أو ذاك، لكن في النهاية لا تتغير حقيقة أننا إخوة، ولن تتغير حقيقة أن قوتنا و"عزوتنا" ومكانتنا في أن نبقى إخوة متحدين متحابين يساند بعضنا الآخر، بعد أن يعرف ويفهم كل صاحب موقف موقعه من الخطأ والصواب.

ليس عيباً أن يخطئ أحد الإخوة أو حتى يتعدى على حقوق وحدود البقية، كما أنه ليس عيباً أن يتخذ بقية الإخوة موقفاً من المخطئ بقطع العلاقات معه حتى يعود إلى رشده ويعترف بالخطأ، وإنما العيب في الإصرار على الخطأ ورفض العمل في إطار أو منظومة الإخوة، ذلك أنه مهما بلغ من القوة والمنعة وجمع من مال أو جاه أو عزوة فلن يصل إلى القوة والمنعة والجاه التي يستمدها من منظومة الأخوة والتعاون والاتحاد.

يجب أن يعي الإخوة أن الخطر الذي يحدق بهم إن كان من الجار القريب أو البعيد أخطر بكثير من مواجهة تعنت وعناد أحد الإخوة من فترة إلى أخرى، كما يجب أن يفهم الأخ المتعنت أن الأخطار التي تحيط به منفرداً أعظم وأقوى من العبث والتهاون في واجبات الأخوة وحقوقها المشروعة، وحكمة الأخ الأكبر يجب أن تكون حاضرة دائماً لتماسك وتعاضد منظومة الإخوة في سعيهم لتحقيق أهدافهم المشتركة وطموحاتهم المشروعة، مع الحفاظ على الخصوصية واحترام الحقوق الخاصة لكل أخ، خصوصاً إذا كانوا يواجهون تحديات مصيرية تجعل من بيتهم أكثر البيوت سخونة والتهاباً واشتعالاً واحتضاناً للمشكلات والحروب، ومهددات الأمن والاستقرار.

الأكيد أن المحافظة على التعاون والاتجاه نحو الاتحاد ضرورة يفرضها واقع الحال ومنطق الأوضاع والأحوال، وإضاعة الجهود في رتق الفجوات الداخلية التي تحدث من فترة إلى أخرى ستؤثر كثيراً في رباط الإخوة، وتؤخر من قدرة المنظومة على تحقيق طموحات وتطلعات بقية أفراد الأسرة، ويجعل المنزل عرضة للانتهاكات والتدخلات من الجيران وسهولة تحقيق أطماعهم وأجندتهم.

الترابط والاتحاد والتماسك غاية ضرورية تستحق أن توجه نحوها كل الجهود، وتوجه نحوها الأهداف كافة، سواء كانت على مستوى الأسرة أو حتى الدول، وكما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وحسنه الألباني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".