لماذا صار قدرنا نحن السعوديين أن نسافر إلى البعيد القصي نشرق ونغرب ونُشَمِلّ ونُجَنِبّ، نطير ونبحر في كل الفصول، وفي كل الجهات وفي جميع القارات نذهب للبلاد المختلفة عنا والمثيلة لنا الغنية والفقيرة، الكبيرة والصغيرة، نغمر العواصم الكبرى والمدن الشهيرة ونقتحم الجزر الصغيرة والنائية.
تجدنا نملأ كل مدينة حتى لتحسب أن السعوديين جميعا يتكدسون في هذه المدينة تحديدا، لكنك ستسمع نفس الانطباع عند مدينة أخرى وأكثر من مدينة أخرى في مشارق الأرض ومغاربها، وقد تهتز ثقتك في الإحصاء العددي لسكان المملكة. ما شاء الله، السعوديون فيهم البركة تجدهم على مرمى حجر في دبي، والبحرين وبيروت والقاهرة، وتراهم يتوزعون مدن سويسرا ويجوبون الشانزليزيه في باريس ويملؤون مطاعم لندن، ويحتفلون مع البرازيليين في كرنفالهم الشهير، وستجدهم يتسدحون على شواطئ كابوكوبانا أو تراهم في هافانا ولو شرقت بعيدا إلى هونولولو وهاواي لوجدت المحتفلين بأعراسهم، ولو مضيت بعيدا إلى الصين فهم في كوانجو وبكين وشنغهاي يتفسحون أو يشاركون في المعارض الدولية، ويعقدون الصفقات التجارية، وهم كذلك في الفلبين وبينانج ولنكاوي وبوكيت، وستراهم يأكلون المندي في جبل جاكرتا الأخضر، وبعضهم في بالي يتمتعون بالرخاء الرخيص، وهم لا يستصعبون السفر مهما بعدت المسافات، ولهذا تراهم يتدفقون تباعا على أميركا وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا.
كما أنهم لا يستكثرون التكاليف، فهم يملؤون مدن أوروبا الغربية ويبذلون سخاء باليورو على مشترياتهم وتكاليف الإقامة والمعيشة، فإذا كان السعوديون كذلك أي إنهم يمضون إلى البعيد القصي، ويقضون إجازاتهم في أكثر المدن غلاء في أسعار معيشتها وتكاليفها، ويسافرون في كل سانحة تمر وكل إجازة رسمية وكل إجازة طارئة وغير مجدولة، فلماذا إذًا لا يسيحون في بلادهم، فهي في كل حال أقرب مسافة، وهي مع كل غلاء منتجعاتها السياحية تبقى أرخص؟.
وعليه طالما الأمر كذلك ـ وهو كذلك ـ فلا مفر من أن نسأل عن سبب التنفير الذي ينفرنا من سياحتنا الداخلية، وعن سبب التسفير الذي يجعلنا نربط الأحزمة في كل فرصة قصيرة أو طويلة، وعن سبب التوفير والبخل الذي يجعلنا نستكثر البذل والصرف في الداخل بنفس القدر الذي نبذل فيه الغالي والنفيس في الخارج؟
هذه الأسئلة موجهة للمواطن الذي يحب مشاهدة السينما في الخارج القريب، ولا يقبل أن تقام عنده في مدينته.
وهي موجهة للمواطن الذي يحب أن يتعشى في أي مطعم لندني أو أوروبي مع عائلته دون أن يقام بينه وبين الآخرين حواجز أو قواطع، وهي موجهة للمواطن الذي يرافق زوجته في محل الملابس النسائية لتشتري حاجتها من امرأة مثلها، لكنه يرفض لهذه المرأة أن تبيع لزوجته في الرياض أو أبها أو غيرهما من المدن السعودية، وهي أيضا موجهة للمواطن الذي يترك زوجته تقود السيارة في أورلاندو بصحبة أولادها وتمضي إلى متنزه الـ"ديزني لاند"، ولا يبيح لها هذا الحق في بلاده!.
وهي موجهة للمواطن الذي يسمح لزوجته وبناته أن يبقين محافظات على لباسهن الإسلامي، ولكن مع شيء من المرونة التي تيسر لهن الحركة والمشي السريع في شوارع تلك المدن، وما يحقق لهن لاحقا تخفضا في الأوزان المرتفعة والسمنة الظاهرة.
وهو ما يعبر عن ازدواجية شخصية لدى المواطن السعودي، كما يؤشر إلى أن المواطن يرى أن بلده ساحة عمل وبذل، على حين يدع المتعة وحرية التصرف والانطلاق بشكل طبيعي كسائر البشر إلى الوقت الذي يغادر فيه هذا القفص، عفوا هذا الوطن.
السؤال الحقيقي، ماذا سيحدث لو لم يكن لدى المواطن هذا الوفر وهذه السيولة التي تمكنه وتيسر له امتطاء الطائرة في كل إجازة وإلى كل اتجاه؟ بمعنى، هل ستتغير أنماطه السلوكية، وهل ستتغير السياحة الداخلية؟
وهل سيكون السعودي.. نفس السعودي؟!