لما أعلنت "فيسبوك" قبل شهرين عن شرائها "واتساب" Whatsapp بمبلغ 19 مليار دولار، كانت صدمة لكثير من المحللين الذين تساءلوا عن معنى تلك الصفقة، وهذا المبلغ الهائل لتطبيق دردشة على الموبايل يحقق دخلا سنويا لـ"واتساب" لا يزيد عن 300 مليون دولار في أحسن الأحوال. ما لم يدركه الكثيرون أن واتساب وتطبيقات أخرى يتوقع أن تحل تماما محل خدمات الاتصالات التقليدية "الاتصال الهاتفي، رسائل الإس إم إس، وغيرها"، أي أن فيسبوك بلغة أخرى اشترت شركة اتصالات دولية من المستقبل، لديها عدد مشتركين يفوق عدد مشتركي شركات الاتصالات السعودية مجتمعة بعشر مرات على الأقل!.
إحصاءات شركات الاتصالات السعودية تؤكد إقبال الجيل الجديد على "شريحة البيانات" بدلا من الشريحة التقليدية؛ لأنها توفر للمشترك الإنترنت، الذي من خلاله يستطيع التواصل مع الناس، ويستطيع استخدام تطبيقات مثل لاين وسكايب وغيرها للاتصال بالآخرين، وهذا يعني في النهاية أن شركة الاتصالات ستتحول إلى مجرد مقدم لخدمة الإنترنت بأنواعها ومختلف سرعاتها.
هذا كله يفسر هذا التطور السريع في عالم تطبيقات الموبايل الخاصة بالتواصل الاجتماعي واحتدام الصراع أو"المنافسة" بينها بشكل كبير، إذ تحاول كل واحدة منها الاستحواذ على حصة من السوق العالمي استعدادا للنقلة القادمة.
لكن هذه المنافسة تواجه ثلاثة تحديات رئيسة:
الأولى: أن فضائح وكالة الأمن القومي الأميركية NSA من خلال الوثائق التي سربها إدوارد سنودن، خلقت قلقا عالميا متسارعا من هذه التطبيقات العالمية، التي بقدر ما توفر الخدمة المميزة فهي تملك وصولا كاملا لكل معلومات الناس في دولة معينة، وتحليل هذه المعلومات يعطي معلومات عن أي دولة وشعب ما لا يمكن لجهاز استخبارات أن يحلم به سابقا. هذا يفسر لماذا تدعم وزارة الدفاع الإسرائيلية تطبيقا مثل "فايبر"، الذي منعته المملكة مؤخرا.
هناك حاليا نقاش في كل دولة عن خلق تطبيقات محلية للتواصل الاجتماعي، تمثل بدائل للناس؛ لأن المنع الكامل أصبح أمرا من الماضي طبعا.
الثانية: أن شركات الاتصالات حول العالم تمثل استثمارات ضخمة، وكثير منها فيها استثمارات وطنية، وهيئات تنظيم الاتصالات في كل دولة ستبذل جهدها لحماية الشركات ضد هذه التطبيقات، التي ستنمو على حساب شركات الاتصالات، وهذا سيعيق نموها، تماما كما تبذل البنوك المركزية وصناديق النقد الوطنية جهدا لحماية البنوك من تطبيقات تحويل الأموال عبر الموبايل.
الثالثة: أن هذه التطبيقات لم تأت بعد بأفكار تسمح للمشتركين فيها بالتواصل فيما بينهم، فأنت حتى تتواصل مع شخص يستخدم تطبيق لاين مثلا، لا بد لك أن تشترك في نفس التطبيق، مما يعني أن الاعتماد الكامل على هذه التطبيقات يستلزم الاشتراك فيها جميعا حتى تبحث عن كل شخص حسب التطبيق الذي يستخدمه، وهذا يمثل عبئا كبيرا على الناس بشكل عام. من ناحية أخرى، لا توجد أي منظمة دولية معنية بعلاج هذه المشكلات وإيجاد تنظيم للعلاقات بينها، بينما في عالم الاتصالات هناك الاتحاد العالمي للاتصالات (ITU)، الذي يقوم بدور يشارك فيه آلاف الناس لتنظيم الاتصالات بشكلها التقليدي.
هذه التحديات لا تعني الفشل، بل هي البداية فقط. معظم المحللون يعدّون تطبيقات التواصل الاجتماعي على الموبايل هي المستقبل، ومن يملكها يملك عالم الاتصالات في شكله الجديد، حتى لو لم يكن واضحا الآن مصدر الدخل. حاليا اللاعبون الكبار في السوق هم:
1) فيسبوك / واتساب: انتشار ساحق بنسبة 80% تقريبا في أوروبا وأميركا اللاتينية والهند لديها 450 مليون مشترك، وزيادة بمعدل مليون مستخدم يوميا. طريقة الدخل المعلنة الوحيدة هي دولار لتحميل التطبيق بعد سنة من الاستخدام.
2) لاين Line: تطبيق ياباني لديه 300 مليون مستخدم، منهم 50 مليونا في اليابان، والبقية تتوزع في دول عدة منها إسبانيا وتايلاند. "لاين" يسمح بالاتصال المجاني بجودة عالية، ويحقق دخلا ضخما من الألعاب و"الستيكرات" على التطبيق، ويتوقع بعض المحللون أن طرحه في سوق طوكيو المالية سيكون الأكبر في تاريخ السوق من ناحية القيمة الإجمالية!
3) وي تشات WeChat: تطبيق صيني، لديه 300 مليون مستخدم، ويتوقع له دخل بنحو مليار دولار العام القادم. له انتشار قوي في الصين والهند وجنوب أفريقيا وروسيا. أحد أسرار تفوق وي تشات ربطه للتطبيق مع البنوك، بحيث يمكنك شراء الأشياء من خلال التطبيق.
4) فايبر Viber: لديه نحو 300 مليون مستخدم، ومركزه الرئيس في قبرص. فايبر يسجل خسائر كبيرة كل سنة، ولكن يعتقد أن الدعم الحكومي الإسرائيلي ساعد التطبيق على الاستمرار، حتى اشترته قبل فترة بسيطة شركة يابانية بـ900 مليون دولار، وهو مبلغ منخفض جدا مقارنة بحجم فايبر.
5) كيك KiK: تطبيق ينتشر بشكل خاص في أميركا وكندا، وله شعبيته الخاصة بين المراهقين، ومن التطبيقات التي يتوقع لها مستقبل كبير.
هناك عشرات التطبيقات الأخرى، بعضها محلي، وبعضها مدعوم من إحدى شركات الاتصالات، وبعضها متخصص، واللعبة ما زالت في بدايتها، وفي الغالب فالانتصار للمستخدم الذي تزيد خياراته، والخسارة لشركات الاتصالات التقليدية التي تقف في عجز كامل عن تطوير نفسها!