من بين "قطاف" جمعة الصديق الأثير، صالح الشيحي، الماضية، تساؤل ساخر عن أهداف ومآرب دراسة تقول إن نصف الشعب السعودي في عداد المرضى النفسيين، ومن هذا "المقتطف" ندخل إلى تفنيد هذه "الكذبة" الكبرى "لأهداف ومآرب" مثل هذه الدراسات والأبحاث. مساء الجمعة الماضي نفسه اتصلت بمسؤول بارز جداً بوزارة الصحة لأطلب منه إن كان باستطاعته حصر عدد ملفات المرضى المؤرشفة بالمستشفيات المتخصصة في العلاج النفسي التابعة لمنظومة الوزارة، وظهر "الأمس" أعاد إلي الاتصال ليسرد أن مجموع كل ملفات أعراض الأمراض النفسية في كل تاريخ الطب النفسي السعودي ومشافيه المختلفة تصل اليوم إلى ما يقرب من "180" ألف ملف، وأن عدد "المنومين" فعلياً في مستشفيات الصحة النفسية في هذه اللحظة يصل إلى "1900" مريض. وبالطبع أؤكد لكم أنني لم أذكر للمسؤول البارز في وزارة الصحة سبب التساؤل ولا الهدف من حصولي على هذه الأرقام، وعلى النقيض تماماً، فقد كان المسؤول حريصاً فيما لمست منه على تدقيق الأرقام ورفع مستوى سقفها ليبرهن جهد وزارة الصحة ودورها في هذا المجال الطبي.

وعودة إلى "أهداف ومآرب" الدراسة التي تناولها الزميل الصديق، صالح الشيحي، بمقاربة هذه الأرقام الرسمية، ثم هب أننا لم نقتنع بالأرقام وضاعفناها مرتين وثلاثاً ومن ثم حتى خمسة أضعاف الرقم الرسمي فما هي الدوافع والمآرب المشبوهة لدى دراسة جزمت أن تسعة ملايين سعودي لديهم مرض نفسي من بين عدد السكان السعوديين المحتمل؟ من هو المستفيد من إشاعة هذه البلبلة والاضطراب بين فئام المجتمع السعودي بمثل هذه الدراسات والإشاعات برصدها لمثل هذه الأرقام الخيالية الكاذبة؟

والجواب الواضح أنهم صناع الفتن والكوابيس الذين يريدون استغلال الظروف المحيطة بمجتمعنا وعالمنا من أجل الهدف والمأرب المشبوه في إيقاع الحاجز والريبة ما بين المجتمع وبين جهازه الرسمي.

في بحر الأسبوع الماضي، وحده، إليكم نماذج مما قرأته من مثل هذه الأبحاث والدراسات. الأولى، وللأسف الشديد، صادرة من جامعة سعودية أو بالأصح من أساتذة تربية وتعليم فيها تقول بالحرف الواحد إن ربع أطفال السعودية لا يذهبون للمدارس الابتدائية، وهي الفقرة الأساس التي ركزت عليها هذه الدراسة في العنوان وفي التمهيد المقتضب لهذا البحث. هذا الرقم "المئوي" خارج عن الخيال والعقل لأنه حتى بشهادة اليونسكو فإن السعودية تحتل المرتبة التاسعة عالمياً في نسب دخول أطفالها إلى الصف الأول الابتدائي، وفي المرتبة السابعة عشرة في إتاحة الفرصة لدخول الروضة فيما قبل الابتدائي، تكتشف "الكذبة" المدوية في أرقام هذه الدراسة حين تكتشف في الخلاصة أنها تعني "بالربع" المئوي الذي لا يذهب للمدرسة هم أولئك الأطفال الذين يذهبون إليها في سن السابعة بدلاً من السادسة، ولكنه العبث الممنهج بالتلاعب بالأرقام لأهداف مشبوهة.

دراسة أخرى في بحر الأسبوع نفسه تشير إلى أن 75% من السعوديين لا يمتلكون سكناً في بحث ابتزاز مكشوف مفضوح لأن الدراسة الخادعة نفسها اعتمدت معيار التأهيل الوطني للحصول على قرض عقاري وهو معيار يشترط سن الثامنة عشرة بينما المعيار العالمي لاشتراط السكن بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للسكان والسكن يحدد عمر "45" لهذه الأهلية.

الدراسة الأخرى المقابلة في بحر الأسبوع الماضي، ووحده، تشير إلى أن لدينا على المستوى الوطني 927 ألف وحدة سكنية فارغة بلا مستأجر وهذا بالتالي يؤكد أن لدينا مشكلة في توصيف المشكلة التي تكمن في غلاء المسكن وارتفاع سعره لا في وجوده وصعوبة الحصول عليه.

أخيراً في مدينتي تنتشر الإشاعة الكاذبة عن وجود 39 حالة كورونا في المشفى المركزي بينما تؤكد إدارة المستشفى مسؤوليتها بأنه لا توجد حالة مؤكدة واحدة. نعم نحن لدينا عشرات المشاكل والعثرات التنموية والاجتماعية في كل شيء من مجال الخدمات التي تمس المواطن. لدينا مئات بل آلافها في أخطاء القرارات والأفكار والمشاريع ولكن: ما هي الأهداف والمآرب لهذه الأرقام البحثية الكاذبة ومن هو المستفيد من تشويه هذه الصورة؟!