بحسابات بسيطة لا تحتمل أي تعقيد لنضع في كفتي الميزان قيادة المرأة للسيارة واعتمادها على سائق خاص، في الحالة الأولى نبحث عوامل الثقل والترجيح من خلال الأضرار المحتملة، هل يزيد التحرش؟ يمكن حسمه بتشريع رادع ورفع معدل الوعي الاجتماعي باحترام المرأة، لأن تقليل الاحترام يتناقض مع الصورة الذهنية التي نضعها لأنفسنا من خلال مفهوم الملكة المصونة، وذلك اختبار حقيقي، لكونها ملكة أو كائنا وشيئا لا قيمة له.
هل مجرد القيادة مدعاة للفتنة؟ أي فتنة إذا كانت غير مختلية وتجيد سياقة سيارتها وتسير في طريقها وفقا للقواعد المرورية من بيتها لعملها والعكس، أو من بيتها لقضاء حوائجها لأن الأصل لدينا أن هناك أمنا واسعا نتمتع به، والمبالغة في التحذير من المخاطر على المرأة وهي خلف مقود السيارة تدمر التركيب الذهني لحالة الأمن الاجتماعي التي يفترض أننا ننعم بها، فلماذا التناقض إذا كانت الأمور آمنة وسلسة وتسمح بحرية حركة دون تعكير أو تطاول؟!
لنفسر بالقليل من المنطق الحالة التي يتداولها موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" حول سائق أجنبي يمارس فعلا قذرا أثناء توصيل طالبة، لماذا نضع العربة أمام الحصان ونعتّم على الصورة الكلية لمترتبات خطيرة تحدث نتيجة لعدم القيادة؟ ماذا لو تطور الأمر وارتقى إلى مرحلة الاغتصاب؟ أين الموازنة بين الضررين الأعلى والأدنى في هذه السلوكيات؟ لكي نستوعب خطورة الواقعة لا بد أن يشعر بها كل أحد كما لو أنها حدثت لأخته أو إحدى محارمه، دون ذلك الإحساس سنتهاون في تقدير السوء.
كثير من عضوات "تويتر" وجدن الجرأة بعد الكشف عن الحالة للإفصاح عن حالات مماثلة أو مشابهة تعرضن لها وهن يوجدن مع سائقين أجانب، والإحساس بالحرج يدفع لإخفاء الجرم الأخلاقي وعدم التعبير بوضوح عن حقيقة النتائج السلبية للاعتماد على السائق الأجنبي، وفي الوقت نفسه يمنح هؤلاء جرأة أكبر لممارسة الغواية والتجرؤ على الأعراض لأن الجميع يدفن رأسه في الرمال طيّا للحادثة، وهكذا ننتج كرة ثلج تكبر مع الوقت إلى أن تطحن مزيدا من الضحايا.
تلك المغردة انفجرت مما لقيته أو سمعته أو رأته حين قالت: "ارحمونا من نظرات السواق التي لا ترحم.. ودعونا نقود بأنفسنا"، ما يعيدنا إلى كفتي الميزان والتعامل مع النتيجة بشفافية دون أن نضغط بيدنا على الكفة الأخرى حتى ترجح عمدا، ذلك خاطئ لأنه غير واقعي وليس حقيقيا، كما ليس منصفا أن نبقى المجتمع الوحيد في العالم الذي لا يسمح فيه بقيادة المرأة للسيارة، وذلك إمـا أنه لا ثقة في المرأة أو لا ثقة في الشباب الذين يتمتعون بانكشاف تشـريعي يمنحـهم الجرأة على ارتكاب سلوكيات غير أخلاقية تحرم بنـات بلـدهم هذا الحـق، نضيف إليه استغلال الأجانب للحاجة إليهم لفعل أسوأ ما يحتمل أن يفعله هؤلاء.
في عام 2011 اعترف مقيم عربي قبض عليه في قضايا تحرش بالدمام بارتكاب أكثر من 200 جريمة اعتداء على قاصرات وبالغات خلال خمس سنوات فقط، ونشر الخبر في هذه الصحيفة، هذه عينة لجرائم الانفراد والخلوة بالمرأة، وتخبرني صديقة عربية أنها أول ما ركبت الليموزين مع سائق آسيوي عجوز يطلق لحية طولها متر ودون مقدمات عرض خدماته غير الأخلاقية، أي يمارس القوادة إلى جانب سياقة السيارة، ولم تعرف المسكينة أن تفعل شيئا غير التزام الصمت حتى وصولها المكان الذي تذهب إليه، وإذا كان لدينا ما يقارب مليون ونصف المليون من هؤلاء يتوزعون بنسبة أكبر بالعمل لدى السيدات، وفي قطاع النقل المدرسي، إلى جانب سائقي العائلات، فإننا أمام قنبلة موقوتة كنا نحسبها خاملة اتكالا على خمول قيادة المرأة، ولكنها ستنفجر بأكبر مما لم يعلن بتدمير ذاتي لمجتمعنا فيما نضلل أنفسنا بحماية المرأة ولا نولي أي اهتمام لدراسة الفكرة من الأساس.