حاصر العقل الفقهي والفتوى المرأة وركز عليها في جميع شؤونها، وأُلفَت كتب بمئات الصفحات وأقيمت حلقات خاصة مع المفتين في شأن المرأة وخصوصيتها، فلا يمكنها أن تنفذ من جانب إلا ويحاصرها التحريم من جانب آخر، بالطريقة التي قيدتها إلى الحد الذي انتزع منها ثقتها بسلوكها دون رقيب، وهذا عمل على تسخير دورها في الحياة على الوجه الذي يملى عليها فقط، رغم أنها لا تدرك أحيانا أنها منتهكة، فهي ترى الدور الذي نمطته الفتوى الطبيعة التي خلقت لأجلها المرأة المسلمة، وهذا أسهم في تطبيع المجتمع بما يتفق مع ذلك.
حصار الفتوى ومعايير الحلال والحرام تعدت على حقها بشكل صارخ، وهو ذات القيد المستخدم بسياط التحريم الذي بالكاد يجعلها تتنفس، فكل سلوك تقوم به حتى في زينتها الخاصة يتطلب منها مراجعة الفتوى والضوابط الشرعية، وقد تتراءى لنا جملة من القضايا التي لا يمكن حصرها، فالقيود اقتحمت حقها في التعليم سابقا، ثم في قضية القيادة للسيارة، ثم حضورها في الملاعب، ثم رياضتها في المدرسة، وصلت إلى إغلاق النوادي النسائية لمنعها من القيام بعملية "مساج"، جعلوا المحرم الحل الإلزامي لسترها!
نقد العقلية الفقهية التي شكلت عادات المجتمع يستوجب الحديث عن الاجتهاد والدراسة لأحداث وحاجات الحياة العصرية الخاضعة للاستمرارية، وتقريبها لأكثر التأويلات تعقلاً من منطلق القدرة الفكرية التي لا تملكها الفتوى اليوم، فمن المفترض أن توضع في موقفٍ فلسفي عقلاني للتناول بطريقة أفضل، إذ إنه من المفترض أن يتم قياسها على حاجات الناس وضرورياتهم، والبحث عن السبيل الأيسر وليس الأحوط، فنستنتج من طريقة الفتوى أنها تبنى على تصور للموضوع، ثم إيجاد الفرق بين التصور والموضوع نفسه، وعليه يقاس الحكم الذي يعكس لنا أن هذا الذهن تتملكه رغبة تجعل القضايا المستجدة ممنوعة تبعاً لذلك التصور، إضافة إلى استحداث الأساليب في صياغة الفتوى كإقحام الآراء الطبية بشكل خاطئ لتكون أكثر إقناعا، وهذا يبين مدى العجز عن الإقناع.
وضع المرأة محور القضايا الاجتماعية يجعلنا نتناولها بشيء من الخجل، بينما هي سهلة وطيعة لمن يريد استغلالها، فكل رأي ديني يؤثر على عقل المجتمع وهو في النهاية مجرد رأي، ولكن من السيئ أن يعمل على ما يعاكس المصلحة، بينما الحل الجذري بما يأتي طبقا للقرارات السيادية التي تمنح للمرأة حق الاختيار، وتنتشلها من تنازع الآراء التي تضحي بمصالح الآخرين لإبراز حضورها فقط.