خلال أيام معدودة من كل عام تتحول تلك الصحاري السمراء في تبوك إلى فضاء أبيض، ويتلاشى السكون الذي يخيم على أرجائها طوال العام مع ضحكات الصغار وأصوات الكبار وهم يجوبون تلك الأماكن احتفاء بالزائر الأبيض الذي لا يلبث أن يغادر سريعاً، إلا أنه يترك علامات استفهام كثيرة حول تطوير هذا الحدث وتلك المناطق، لتكون عنصر جذب سياحي.
بين الآمال والآلام
يتحول المشهد في تبوك شتاء كل عام إلى حالة من الترقب لموعد هطول الثلج، خصوصاً في مرتفعات "اللوز، والزيتة، وعلقان، والظهر" وينشط الشباب في تبادل المعلومات عن حالة الطقس عبر وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي.. الجميع يبحث عن موعد هطول "الثلج" ليحظى بالاستمتاع مع عائلته خلال تلك الساعات القصيرة.
مؤخراً، أصبح هذا الحدث السنوي يتجاوز أهالي تبوك إلى سكان المناطق المجاورة، مثل حائل والمدينة المنورة ومكة المكرمة، إذ يقطع البعض نحو 900 كلم لأجل رؤية الثلج والاستمتاع به، وفيما يجمع الكل على غياب الخدمات الأساسية، إلا أن ذلك لا يمنعهم من تحمل المشاق في سبيل ساعات من المتعة.
تنتهي زفرات الحديث عن وصف متعة الرحلة عادة بتنهدات تسبق سرد الملاحظات السنوية نفسها.. طريق سيئ وخطير، غياب لشبكات الاتصالات، لا مطاعم ولا مراكز تسوق، فوضى وعدم تنظيم، وأخيراً مآسي الحوادث المتكررة.
ذكرى "ماليزية" في اللوز
في 12 يناير الماضي، التقطت عدسة الزميل المصور عيسى الحمودي عائلة ماليزية مكونة من 8 أفراد، قدموا من "ينبع" للاستمتاع بثلوج تبوك.. مكثوا هناك في قمة الجبل الأبيض لساعات، واستمتعوا بتقاذف كرات الثلج بفرح. في اليوم التالي؛ كانت "تادينا كرين، ومحمد سويف، ومحمد يزيد" من العائلة الماليزية ذاتها، ضمن 77 مصاباً آخر، في حصيلة حوادث طريق حقل "القاتل" المؤدي إلى جبل اللوز، الذي قطف أرواح 8 أشخاص آخرين.. غادرت العائلة الماليزية تبوك، وهي تحمل في ذاكرتها الحزن، بعد أن كانت تأمل بالفرح، وهو الشعور نفسه الذي يسكن عائلات نحو 24 شخصاً هذا العام، تعرض أفرادها لحوادث متفرقة.
أول من أمس اضطر مرور محافظة حقل "250 كلم شمال تبوك" إلى وضع مكتب ميداني في "مركز الزيتة" بالقرب من أماكن هطول الثلج، لمباشرة وإنهاء إجراءات الحوادث المرورية التي تقع في تلك المناطق، وذلك بعد أن كشف مدير مرور منطقة تبوك العميد محمد النجار أن عاصفة " أليكسا" الجليدية التي سيطرت على المنطقة خلال اليومين الماضيين تسببت في 22 حادثا مروريا، قال إنها كانت "بسبب انزلاق السيارات بالثلج".
وفي السياق نفسه، تعرض 23 شخصاً، بينهم7 نساء و11 طفلا إلى الاحتجاز خلال الأيام الماضية بإحدى القمم الجبلية في مناطق الثلج، فيما أدت الأحوال الجوية القاسية وانعدام الاتصالات إلى تأخر إنقاذهم إلى عصر اليوم التالي، بعد أن عجزت الفرق الأرضية عن إنقاذهم نتيجة وعورة التضاريس، حيث اضطر الوضع إلى تدخل طائرتين لإنقاذ المحتجزين، بتوجيه من أمير المنطقة الأمير فهد بن سلطان، وبإشراف من مدير عام الدفاع المدني بتبوك اللواء مستور الحارثي، وقائد طيران القوات البرية العميد الطيار أنس العلي. كما أكد الناطق الإعلامي للدفاع المدني العقيد ممدوح العنزي أن فرق الدفاع المدني بجبال اللوز قدمت المأكولات والمشروبات للمحتجزين طيلة احتجازهم مساء الجمعة، إضافة إلى تزويدهم بالبطانيات والحليب الخاص بالأطفال الرضع.
"السلحفاة" القاتلة
أعادت "الوطن" أكثر من مرة الإشارة إلى الجاني "طريق حقل"، ذاك الذي يقف دائماً ليعلن نهاية الفرح، حيث وصف مواطنون طريق حقل بـ"مشروع السلحفاة"، مؤكدين على أنه يسير ببطء منذ 7 سنوات، متسبباً في حوادث مؤلمة، ومعيقاً في الوقت ذاته الاستمتاع بالكثير من المناطق السياحية، ومن بينها مناطق هطول الثلج.
طريق "تبوك - حقل" بمساره الضيق القديم، وارتفاعه عن مستوى الأرض، وغياب أبسط مقومات السلامة فيه، ومنها الأكتاف الجانبية، يعاني من التعثر منذ 7 أعوام، فيما أكد وكيل وزارة النقل للطرق المهندس هذلول الهذلول، في وقت سابق أن سبب تأخر المشروع هو عدم اعتماد كامل مبلغ تنفيذ الازدواج، لافتاً إلى أنه سيتم الانتهاء من المشروع خلال العامين القادمين.
دروس بلا فائدة
ورغم أن موعد هطول الثلج تسبقه عادة تنبيهات من الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، تحدد خلالها الموعد المتوقع لهطول الثلج، وبديهية توجه المواطنين والمقيمين لتلك المناطق؛ إلا أن التنظيم المفترض يبدو غائباً، وخصوصاً على طريق جبل اللوز، الذي تضطر جهات رسمية إلى إغلاقه بعض الأوقات بسبب الازدحام وتكرار الحوادث.
ويتساءل المواطن ماجد العقبي "لماذا لا تسبق الجهات المعنية توافد الناس على مناطق الثلج بحيث تعمل على تنظيمهم، ومراقبة حركة السير، والحيلولة دون حصول الكثير من الحوادث؟"، مشيراً إلى أن تواجد الجهات الرسمية يأتي متأخراً، رغم الجهود التي تقوم بها لاحقا. واستغرب العقبي غياب التنظيم السياحي للمنطقة، وتشجيع الاستثمار الذي يعمل على تقديم الخدمات للمتنزهين، لافتاً إلى أن طبيعة المنطقة تشكل عنصر جذب، سواء أثناء هطول الثلج أو خلال الأيام الأخرى، نظراً لما تتمتع به تلك البراري البكر من تشكيلات جبلية رائعة، إضافة إلى تنوع التضاريس من جبال ورمال وأودية، وقربها من المناطق البحرية على خليج العقبة.
"تطوير" منتظر
المدير التنفيذي لفرع هيئة السياحة بمنطقة تبوك ناصر الخريصي أكد أن هناك العديد من الأفكار لتطوير تلك المواقع، وقال: وجه أمير منطقة تبوك رئيس مجلس التنمية السياحية في المنطقة الأمير فهد بن سلطان بتشكيل فريق عمل من الجهات الحكومية ذات العلاقة، بهدف الوصول إلى الرؤى والأفكار التطويرية التي تتناسب مع المقومات الطبيعية للموقع، لجعله منطقة جذب تخدم سكان المنطقة وزوارها. وقد تم الرفع لسموه بما تم التوصل إليه، حيث وجه بالعمل الفوري على تنفيذ ما ورد بتوصيات الفريق، والتي تشمل وضع حلول عاجلة لتوفير التغطية الأمنية والتأكد من توفير جوانب الأمن والسلامة في الموقع، بالإضافة إلى التجهيز السريع لعدد من المطلات لخدمة الزوار".
وأشار الخريصي إلى أنه سيتم البدء بإعداد مخططات تطويرية شاملة للموقع، بحيث يتم توفير الخدمات السياحية والترفيهية اللازمة واستغلال إمكانات الموقع الطبيعية في إيجاد أنماط سياحية متنوعة، سواء التي ترتكز على هطول الثلوج، أو على المقومات الطبيعية الأخرى التي يتميز بها الموقع، بحيث يكون الموقع قادرا على جذب الزوار طوال العام، وعدم قصره فقط خلال مواسم الثلوج، والتي تمتاز بعدم انتظام هطولها بشكل سنوي وتمتد لعدد محدود من الأيام. وقال "يجري العمل مع الزراعة وعدد من الشركاء لتخصيص متنزهات صحراوية لتهيئتها واستثمارها بمنطقة الزيتة وإيجاد فعاليات صحراوية تتناسب مع ظروف ومزايا المنطقة.. ومن ذلك ما يتم تنفيذه حاليا مع أمانة المنطقة من مشاريع تهدف إلى توفير البنية التحية لخمس مدن ساحلية بمواقع سياحية مميزة متاخمة للمحافظات الساحلية، بغرض إيجاد فرص استثمارية محفزة ومتنوعة قادرة على جذب رؤوس أموال القطاع الخاص الذي يعد ركيزة أساسية لتوفير الخدمات السياحية المختلفة".
وأضاف أن "العمل يجري على تطوير عدد من المواقع للاستثمار كمتنزهات ومنتجعات صحراوية بـ"الديسة وبجدة والزيتة" ومشاريع سياحية داخل المدن وخارجها".