لحظات المرح والترفيه البريء وما يدخل على النفس شيئا من السرور والمتعة باتت لحظات غالية ونفيسة ونادرة، وباتت الأسر عالقة ما بين المطاعم والمجمعات التجارية، ولا خيارات ثالثة تستحق الالتفات إليها، ومتى ما بادرت بعض الجهات كالأمانات والغرف التجارية والقطاع الخاص لإقامة مهرجانات في العطل والأعياد فإنها في الغالب وكما نلحظ ونرى تكون صورة طبق الأصل في كل المدن وفي كل المناطق من حيث نوع الفعاليات والبرامج والأنشطة ومن حيث التنظيم وحتى من حيث العيوب والنواقص والملاحظات السلبية.

يحدث هذا لأن التقليد أقصر الطرق للتنفيذ، وأسهل الآليات لاختصار الوقت، وأفضل وسيلة لضمان قلة الأخطاء، وفي ظني أن التقليد عادة ما يكون أيضا بسبب افتقاد الجهات المنظمة للمبدعين ولمن لديهم أفكار غير تقليدية وعدم قبولهم لمن يمكن أن يقدم جديدا غير مكرور، فضلا عن أن الجهات المنظمة في الغالب يكون من بينها من يهتم بنفسه وباسمه وبتلميع ذاته أو من له مصالح معهم على حساب إسناد مثل هذه المهرجانات لأهل الاختصاص، ولمن لديهم القدرة على الإبداع والتجديد لما تحتاجه مثل هذه الأنشطة ولما يتوافق مع طبيعة فعالياتها.

قبل أيام أخذت أسرتي وتوجهت من الدمام إلى الجبيل الصناعية لزيارة مهرجان ربيع الجبيل الثاني، وقد شاهدت في هذا المهرجان ما أظن أنه مخالف لكثير من المهرجانات من حيث الدقة والانضباط والترتيب والخدمات، كما وأن المهرجان تضمن من الفعاليات والأنشطة والبرامج والمسابقات ما أضفى عليه كثيرا من المرح والمتعة وفي الوقت ذاته أثرى الزوار بالعلوم والمعارف التي منها ما هو قديم مرتبط بالتراث والتاريخ ومنها ما هو حديث مرتبط بعصرنا والقادم من الأيام.

أكثر من ذلك أعجبني في مهرجان ربيع الجبيل الثاني أن له هوية واضحة، إذ حرص المنظمون على أن تكون هذه الهوية مستمدة من تاريخ المدينة والمنطقة وذات البيئة التي على أرضها يقام المهرجان، ولهذا كان صوت "النهامة" حاضرا بقوة، وكان "النواخذة" على (بوماتهم) حاضرين على شواطئ الجبيل الصناعية، وكان الغوص والغناء البحري وصيد الأسماك والبحث عن اللؤلؤ وكل التراث البحري من المسكن إلى الألعاب والملبس والأكلات وطريقة الاحتفال بالزواج شاهدا على هوية هذا المهرجان الجميل.

وأنا أتنقل بين مساحات المهرجان المختلفة تمنيت لو أن مثل هكذا موقع بما احتواه من أشياء رائعة ومعارض وعروض ومبان وفعاليات أن يكون دائما ليجد السكان مكانا يقضون فيه وقتا ممتعا في نهاية الأسبوع وألا يقتصر ذلك على نشاط يقام مرة في السنة، خاصة أن الجبيل الصناعية صاحبة مبادرات وأولويات نوعية على مستوى مدن المملكة، وما هي إلا لحظات من حديث النفس هذا حتى جاملني - مشكورين - منظمو المهرجان حينما شاهدوني أتجول فأتاحوا لي مشاهدة حفل تكريم الرعاة والداعمين وحينها سمعت الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية بالجبيل الدكتور مصلح العتيبي، يوعد سكان الجبيل بالبحث عن مكان مناسب ليكون مكانا دائما لهذا المهرجان.

أخيرا شكرا لكل من يقف وراء هذا العمل الكبير والجميل والمفيد، الذي أكد لنا أن مدينة الجبيل ليست من أجمل المدن السعودية والعربية فقط بل من أكثرها حرصا على بناء ورفاهية الإنسان بمثل اهتمامها بالمكان.