لم أكد أبدأ الكتابة حول الآثار والوثائق التي نهبت من البلاد العربية من قبل الدول الغربية خلال فترات سابقة، وأخذت موضعها في متاحف فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها، حتى مارست عليّ الإعلامية ومقدمة البرامج الإخبارية في قناة العربية "ميسون عزام" حبها للاستكشاف ومعرفة ما أكتب، فحدثتها عن أن هذه الآثار والوثائق يجب استعادتها؛ لأنها تندرج ضمن حقوق الملكية الفكرية التي ينادي بها الغرب وصدّع رؤوسنا بها، وكعادتها.. لا بد أن تأخذ ميسون موقف المحاور لخلق تداعيات للحوار وإدخاله في متاهات معرفية تندرج ضمن السياق الرئيس برغم وجود تضاد في الرؤى.

وفيما أنا أهاجم ذلك الغرب السارق راحت ميسون تشكره؛ لأنه أخذ إرثنا الثقافي والمعرفي والسياسي وحافظ عليه، وانطلق الجدل حول مشروعية ذلك السلوك.. فنظريتها تقول إن تلك الآثار والمخطوطات والوثائق الموجودة حاليا في أوروبا وأميركا لو بقيت لدينا لكنا أضعناها أو أضعنا معظمها على الأقل، واستشهدت بما حدث من نهب للآثار في العراق وبعدها في مصر وسورية خلال فترة الاضطرابات التي شهدها كل بلد، ورأت أننا كعرب لا نعرف قيمة ما نمتلك من كنوز، فالنزعة الفردية تغلب على مصلحة الأوطان لدى بعض الأشخاص ممن يريدون التكسب عبر سرقة الآثار وبيعها.

لا أخفي أن ميسون بجدلها حركت العقل ليبحث في الأفكار التي تطرحها، فوجهة نظرها قابلة للنقاش من أكثر من زاوية، فمن جهة أولى يأتي التساؤل عن عدم وجود الوعي الكافي لدى الكثير من أفراد شعوبنا العربية بالأشياء المهمة، ومن بينها الآثار والمخطوطات. وبالمقابل يطرح سؤال آخر ذاته عن سر التفكير المستقبلي لدى بعض الدول الغربية ووعيها المبكر بامتلاك التراث العالمي، كما فعل الفرنسيون في متحف اللوفر، الذي يضم آثارا من مختلف الدول والحضارات والقارات.. ولماذا لم يكن لدينا مثل هذا التفكير على مستوى الدول العربية.

تساؤلات ميسون مطروحة للحوار.. ولا أظن أن النقاش انتهى، إذ لا بد من بقية نستكشف في ثناياها طرائق الوصول إلى تكوين حالة جمعية شمولية يتم فيها إعادة بناء الوعي بأهمية ما نمتلك من إرث حضاري، والجهود الرسمية في العناية بالتاريخ والتراث تحتاج وعيا جماهيريا يرافقها؛ ليسهم معها في المحافظة على الموجودات من تاريخنا البعيد والقريب.

أخيرا.. اختتمت ميسون بقولها منتصرة أكثر لفكرتها: ليتهم سرقوا ما تبقى.. أو بالأحرى ما لم يبق؛ لأنه لم يبق لدينا شيء من حضاراتنا العريقة.