هل يعرف الإنسان المزعج أنه مزعج؟ وهل يعرف الإنسان المتطفل أنه "ملقوف"؟ وهل يملك الجميع الجرأة في أن يقول لذلك الشخص أو ذاك أنه كذلك؟ وهل التعامل مع تلك النماذج أصبح أمرا اعتياديا في هذا الزمن الذي أصبح الاختلاط مع كل عينات المجتمع جزءا من طبيعة الحياة التي نعيشها، بكل تداخلاتها وتلاقحاتها وتنوع ظروفها

ومكوناتها؟.

في إحدى المناسبات الرسمية، التي عقدت مؤخرا في إحدى الدول الشقيقة، ابتلي صديقي رئيس تحرير إحدى الصحف بسائق خاص متطفل ومزعج بدرجة لا تصدق، إذ كشفت لنا مواقفه كم أن صديقنا الصحفي مؤدب، وكم هو متواضع لدرجة قد تكون نادرة في غيره، فقد عجز بحكم أخلاقه وتأدبه من التعامل بحزم مع ذلك السائق، الذي تعامل هو معه وكأنه وصي، وربما صديق قديم، أو رفيق رحلة "يمون"، مما جعل تلك المواقف التي حدثت بينهم أقرب للنكتة لصعوبة تصديق الفجاجة التي يتصف بها بعض البشر ممن ليس لديهم أي حس أو احترام لطبيعة العلاقة التي تربطهم ببعضهم.

يجب ألا يُفهم من كلامي هنا أني بالضرورة أقول إن الإنسان عليه أن يتعامل بفوقية مع من هم في وظائف أقل أهمية، بل ما أقوله هو أن الإنسان عليه أن يحترم الحدود التي تفصل بين البشر بحكم طبيعة العمل من جانب، ومن حيث طبيعة العلاقة التي تربطهم ببعضهم، فكم من موظف يعتقد أن كسر الحواجز مع مديره ستجعله أقرب منه، وكم من ابن يعتقد بأن قدرته على مناقشة والده تعني أنه يفهم أكثر منه، وكم من مواطن يعتقد بأن التقليل من هيبة مسؤول تعني أنه أقدر على أداء عمله وتحقيق إنجاز عجز عنه ذلك المسؤول.

صديقي الخلوق اضطر أن يتهرب من ذلك السائق الذي كان يأتي ليجلس معنا ليشارك في نقاشات اتسم جزء كبير منها بالخصوصية المهنية، والحوارات الشخصية التي تخصنا كأصدقاء وزملاء مهنة، أتينا لمناسبة رسمية لتغطيتها إعلاميا، فلم يتورع من التعامل مع المحيط وكأنه جزء منه، وأبدى امتعاضه الواضح حينما أشعره أحدنا بأنه غير مرحب به، فالإحراج الذي وقع فيه أمامنا جميعا لم يكن إلا نتيجة فجاجته، وجرأة أحدنا ممن لا يشبه صديقنا رئيس التحرير.

احترام الإنسان للظروف التي تحيطه دليل وعيه واحترامه لذاته، فإن تجاوز الإنسان فمن الطبيعي أن يناله توبيخ إنسان وجهه "مغسول بمرق" كما يقال، فليس كل البشر مؤدبين كصديقنا الإعلامي الجميل.