لا تخلو منه الأسواق الشعبية، ولا يستغني عنه كبار السن والفارهون أثناء تسوقهم، يتكسب بقبول أجر زهيد مقابل توصيل حاجيات وأرزاق المتسوقين.
هو ببساطة "الحمالي" الذي يطوف بعربته الصديقة للبيئة دون أن يلوث الجو والناس من حوله، ويردد عبارته المشهورة بصوت هادئ: "حمالي ياعم، حمالي يا خالة، عربية عربية يا ابو الشباب".
له زبائن من مختلف الطبقات، لا توجد أسعار ثابتة لمشاويره سوى أن "الريالين" اللذين يعطيهما إياه صاحب البضاعة هو المتفق عليه، سواءً بَعُدَ المشوار قليلاً أو قل، زاد وزن الأحمال التي تثقل قواه أم قل.
ذات صباح تواجدت "الوطن" في إحدى الأسواق الشعبية بمحافظة الأحساء، والتقت هناك بالكثيرين الذين قضوا بين الناس ساعات عمل طويلة على مدى سنوات، وتخللتها مواقف وحكايات لا تنسى.
سرد "خالد أحمد" حكاية انضمامه للعربة، يقول "عقب وفاة أبي تركت المدرسة، وفكرت أن أتكسب من أشياء كثيرة، حيث عملت في المزارع لفترة، باستثناء يومي الأربعاء والخميس اللذين يتوافد فيهما الناس على الأسواق الشعبية في محافظتي، فقد اعتدت الحضور إلى السوق من قريتي التي تبعد أكثر من"17" كم من المدينة، بعد صلاة الفجر مع زميل لي تشابهت ظروفنا تماماً، ونصل السوق إما باستئجار سيارة تنقلنا وعربتينا، أو يأخذنا شخص من قريتنا قاصد السوق للتبضع".
ويشير خالد إلى دخله اليومي البسيط، معتبراً أن الأسعار في الفترة التي قضاها في هذا العمل منذ عام 1417 وحتى الآن لا تزال تراوح مكانها، فكل حمولة من الحاجيات خف وزنها أو ثقل يحصل مقابل نقلها على ريالين، وهي قيمة المشوار إلى سيارة الزبون بعد أو قصُر.
غير أن اللافت في الأمر أن بعضهم يفيض عليه بأكثر من القيمة السوقية المتعارف عليها، فعادة ما يعطيه الناس الفارهون خمسة أو عشرة ريالات أو عشرين ريالاً، كرماً منهم وهدية وليس قيمة التوصيل.
ويخرج خالد من السوق كل مساء وفي جيبه مبلغ يتراوح من 80 إلى 150 ريالاً، تساعده في قضاء حاجياته اليومية.
ويقول "الحمالي خالد" إن دخلهم اليومي ازداد في الفترة الأخيرة، ولسبب طريف جدا، يقول "أدى تحويل يوم الخميس إلى دوام مدرسي، إلى عدم وجود الطلاب الذين كانوا يعملون في السوق في العطلات، ولا يتواجد منهم الآن إلا القليل جداً ممن يتغيبون عن المدرسة"، مشيرا إلى أن من الفئات التي تعمل بالسوق أيضا رجال لا وظائف لهم، ومتقاعدون يسلون أنفسهم بالعمل الشريف.
وأضاف أن "الناس هنا يحترموننا، وبيننا وبينهم علاقة حب، محبة الناس هذه جعلتنا نتمسك بالسوق ونستمتع بـ"لعبتنا المفضلة" ـ قالها مازحاً -، وبعضهم يعتبروننا العامل الرئيس لنجاح شعبية الأسواق، ومن غيرنا يجد مرتادو السوق صعوبة في نقل حاجياتهم التي يشترونها".
ويتطرق خالد لزاوية إنسانية جديدة لا تخطر على بال أحد قائلا "برغم أننا نحمل أرزاقاً كثيرة لعشرات البيوت، تصل قيمتها إلى الآلاف، لا نملك منها شيئاً سوى التوصيل"
ويروي الحمالي "عبدالعزيز" قصصاً جميلة صادفته على مدى خدمته في السوق التي قاربت سبع سنوات، ويقول "أغرب الزبائن الجدات والعجائز، فهن يمشين في السوق "على أقل من مهلهن"، ببطءٍ شديد ، فيضيعن عليك الفرصة لاصطياد أكثر من زبون، ويقدمن الأجرة كما هي ريالين، ولا تستطيع أن تتفوه بكلمة واحدة، طبعاً لفارق السن، وهن في مقام الأم والجدة معاً، ولكنهن في النهاية يدعين لك بالجنة والمغفرة".
وعن الصعوبات التي تواجههم، أشار إلى أن بعض المتسوقين يعتبر الحمالي من كماليات السوق، يحب أن يمشي ونحن وراءه، نتوقف إذا وقف، ويأخذنا من مكان إلى مكان، وحيثما توجه اتجهنا".