كتبت بحثا شيقا نشرته جريدة المساء المغربية بالتفصيل عن مشروع ألماني في جبال فرايبورج، قريبا من الغابة السوداء، في أنفاق تصل إلى مئات الأميال في الجبال، لحفظ التراث الإنساني، وبكلمة أدق حفظ التراث الألماني!!

وكنت يوما عند أخي المفكر البليهي فذكرت له الخبر؛ فقال يجب أن تكتب عنه بالتفصيل، والرجل لماح للأفكار الجديدة، وفعلا فقد عكفت على البحث عدة أيام حتى خرج البحث مستويا إلى حدٍّ كبير، وعرفت من البحث أن الألمان يحفظون كل شيء بواسطة الميكروفيلم، ويودع في براميل من الحديد، كي يحفظ في صفائح صم من صخر صلد في درجة حرارة معقولة كي يعيش آلاف السنوات.

كل هذا من أجل حفظ التراث إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة، فهم يتفاءلون بالأفضل ويستعدون للأسوأ.

وبين الحين والآخر تحدث كوارث تحرق المكتبات فتضيع ذخائر الفكر الإنساني فيقولون ياليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.

وفي الحروب تُنهب المتاحف والصور والذخائر من المجرمين اللصوص وهم بهديتهم وسرقاتهم فرحون مستبشرون.

ومما عرفنا مؤخرا أن مقبرة توت عنخ آمون حين فتحها هوارد كارتر استدعى سيده اللورد كارنارفون البريطاني وابنته المدلعة ليعاينوا المقبرة من ثقب استحدثوه قبل أن (تدرى) عنهم الحكومة المصرية التي أعطت التصريح أن يتم الإخبار عن أي كشف بأمانة، فخان البريطانيون الأمانة وهو ليس جديدا في تاريخ الإمبراطورية، فهم سادة البحار والقرصنة وسرقات الأمم والشعوب من أيام القرصان ديرك. حتى إن أكبر لؤلؤة في تاج إليزابيث منهوبة من الهند.

والمهم فحفظ التراث انتبه له العديدون في العالم وبين يدي بحث جديد يقوم عليه ليس فقط الألمان الجن بل أقوام شتى تنبهوا لخطر ضياع التراث الإنساني، وحاليا يوجد أكثر من مشروع منه مايقوم عليه الأمريكيون عن طريق حفظ الديجتال، والمعرفة الإنسانية بلغت من الضخامة بما تقدر بمكتبة لكل مواطن عالمي مايسمونها اكسابايت.

وطبعا نحن لا نتابع هذه الأشياء ، أما الآخرون فهم وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون اليقظون المتنبهون. وحاليا يخزن في النت كل شهر بواسطة روبوتات تقلب الكتب وتصور وتنسخ كل شيء من صورة وصوت ووثيقة وقرآن وزبور وتوراة ووثائق طروادة ومعاهدات الصلح بمعدل عشرة تيرابايت، ما يعادل مكتبة الكونجرس الحاوية 8 ملايين كتاب.

ولعل هذه الفكرة لحفظ التراث كانت من نبوخذ نصر الكلداني القديم الذي وضع 25 ألف لوح من الطين في كل الحكمة الإنسانية في عصره قبل ثلاثة آلاف سنة، بل هناك من يقول إن الأهرامات كانت لهذا الغرض وحفظ أوراق وملفات البردي داخلها للمستقبل الغامض.

وهناك حاليا مشروع البنك الخلوي الذي يحفظ كل خلية ونسيج وفيروس من كل الأرض، وهناك الجني كريج فنتر الذي يحاول فك الكود الوراثي لكل مخلوقات الأرض بالطريقة الجديدة التي اخترعها وطورها.

وهناك المشروع النرويجي في حفظ 4,5 ملايين بذرة من نباتات الأرض محفورة في الجبال، وهناك مشروع أوسبورن عن انسكلوبيديا الحياة بحيث يملؤون 180 مليون صفحة عن كل الخلائق، بل هناك مشروع الجينوم القرآني الذي يعمل عليه فريقان من الألمان لكتابة كل شيء عنه، وهو مشروع كان بالأحرى أن يقوم به المسلمون.

إننا على مايبدو خارج أحداث وإحداثيات العصر نشخر بعمق ولذة.