في التوقيت نفسه - تقريبا - من العام الماضي كتبت مقالاً عن مرض "الكورونا" عندما بدأ هذا المرض يحصد الوفيات وصار مقلقاً ومثيراً لمخاوف الناس مصحوباً هذا القلق بشيء من الجهل عن هذا المرض وأسبابه وأعراضه وطرق الوقاية منه وكذا طرق علاجه، كما أن الناس في حالة غياب المعلومة الموثقة يصبحون أسرى للإشاعات والوساوس وتسقط الأخبار من المجتهدين، ومن متصدري المجالس الذين يفتون في كل شاردة وواردة وكل ذلك نتيجة لغياب مركز وطني للمعلومات كان الأولى أن تتصدى لإنشائه وزارة الصحة وأن تباشر الإفادات وبث الطمأنينة في نفوس الناس وردع الإشاعات بالحقائق.

الغريب أن عنوان مقالي السابق "كورونا كل سنة مرة" إنما جاء نتيجة لاستشراف ما سيحدث من مسكنات ثم لا يلبث المرض أن ينشط كما هو عليه هذه الأيام خاصة مع ما حدث في مستشفى الملك فهد في جدة. بما يبرر ضرورة أن يتحول هذا المرض إلى قضية رأي عام، وأن تسخر له حملة إعلامية مدروسة على نحو يجعلنا كمواطنين حتى وإن كان هذا الوباء يشكل خطورة نتعاضد لمواجهته في النور بصورة أفضل من هذا التخدير الموضعي وإخفاء الحقيقة الكاملة.

إذ تقع على وزارة الصحة مهمة إحاطة الناس بالواقع حتى وإن كان مؤلماً وذلك ليتعرفوا على الخطر المحدق بهم فيكونوا عوناً وعضدا مسانداً للوزارة في حملتها على هذا الوباء.

جاءتنا حمى الوادي المتصدع ثم مضت إلى سبيلها، ثم أنفلونزا الطيور.. والخنازير وطارت، ونعيش هذه الأيام – مجدداً – حالة من الحذر والقلق والتحفز بسبب الـ"كورونا".

وأعرف أن هناك اتجاهين أو مدرستين في مثل هذه الأحوال، واحدة ترى ضرورة الإفصاح ووضع الناس في صورة وواقع ما يحدث، ومدرسة أخرى ترى أن الإفصاح قد يكون مجلبة للقلق وسببا لإثارة الخوف، خاصة مع ما قد تثيره وسائل التواصل الاجتماعي من تهويل وتضخيم.

ولكل من الرأيين الـ"مع" والـ"ضد" الحق والمنطق ولكن المزاوجة بين المدرستين تفضي إلى بث الوعي ونشر السلوكيات الوقائية عند الناس، كما أنها فرصة لإنشاء ما يسمى بالوعي الوطني من خلال إطلاق وزارة الصحة لحملة وطنية توعوية تشترك فيها كل القطاعات الحكومية والأهلية والرسمية والتطوعية وأن تكون سلوكا ممنهجاً في كل حالة طارئة، فالناس أعداء لما يجهلون ومع تعليمهم وجعلهم يحيطون بالواقع فإنهم يتحولون إلى أعوان ومساندين، خاصة أن انعكاس ذلك إيجابيا مرده إليهم، والإنسان ينحاز بطبعه إلى مصلحته، وكذلك مصلحة الغير طالما أنها تدعم مصلحته الشخصية، وبالتالي فإن مواجهة "كورونا" على بينة ويقين هي مصلحة جماعية لكل أبناء هذه البلاد.

نريد أن نشن حربا معرفية ووقائية وعلاجية ضد هذا الفيروس في وضح النهار، خاصة مع تفشي الإصابة به وارتفاع نسب الوفيات في المملكة دوننا عن سوانا من الدول الأخرى.

أرجو من كل قلبي أن يمر العام القادم ولا أجدني مضطرا للكتابة مرة ثالثة عن هذا الفيروس.