تحت عنوان "السعودية تغتسل"، يشخص الصديق العزيز، جاسر الجاسر في صحيفة "الحياة" حكاية الوصال إلى الطلاق ما بين السعودية وبين جماعة الإخوان المسلمين، موضحاً بالبراهين التاريخية أن الجماعة لم تحفظ لهذا البلد جميله وفضله الذي أنقذ أقطاب الجماعة ورموزها من الشتات ومن سوء النهاية ذات زمن عربي عاصف.
وحين يقول الزميل الغالي، جاسر الجاسر، إن السعودية بدأت "تغتسل" من نفوذ جماعة الإخوان على مستقبلها الاجتماعي والأمني والسياسي، فسأقول له بكل وضوح وصراحة وشفافية: إنك متفائل بالغسل التام أكثر مما يجب. دعنا أخي جاسر، مع هذا النفوذ الهائل لجماعة الإخوان المسلمين المتغلغل إلى كل نظامنا التعليمي وأنساقنا الدعوية والاجتماعية نقول إن "السعودية تتوضأ" وفي أكثر الأحوال تفاؤلاً، دعنا نقول مجازاً إن السعودية بدأت "تتيمم" بالتراب: المسافة ما بيننا وبين الغسل التام مسافة طويلة ومكلفة. مشكلة المنهج السلفي الذي كان يصبغ حياة "السعودي" فيما قبل السرورية والإخوانية والجهيمانية ليست في مجرد عجزه عن تمييز أهداف الخطابات الدينية الوافدة، بل في البراءة المطلقة وفي النقاء الأبيض الذي جعله يظن أن باستطاعته "قولبة" كل خطاب جديد وافد إليه و"نمذجته" حتى حد الظن أن باستطاعته تحويل كل فكرة وخطاب إلى فكرة سلفية خالصة. مشكلة المنهج السلفي الذي صبغ الحياة السعودية أنه كان يحسن الظن دون أن يدرك عواقب الطوفان التي جعلت السلفية غريبة في أهلها ومجتمعها المستقبل. مشكلة الخطاب السلفي الذي كان يصبغ الحياة الاجتماعية السعودية ذات زمن مضى أنه أحسن الظن ليفتح كليات الشريعة لكل هذه الخطابات الوافدة، واهماً، أن الوعاء السلفي قادر على امتصاص المنهج والمحتوى "الوافد" وإعادة نمذجته وقولبته بمعايير ومقاسات الخطاب المستقبل. تعالوا إلى الحقيقة الصارخة: كل كليات الشريعة السعودية وكل أقسام الدراسات الإسلامية المحلية التي تزيد اليوم على "المئة قسم" في كل محافظة من أنحاء هذا البلد لا تدرس ورقة واحدة للشيخ ابن العبدالوهاب ولا ابن إبراهيم وابن باز وابن عثيمين ومع هذا يظن جاسر الجاسر أن "السعودية تغتسل".