خبران أبهجاني خلال الأسبوع المنصرم، ولم أملك سوى الدعاء لأصحابهما، واستشرفت خيرا آتيا، وإصلاحا مشرقا عبرهما. وكما نتفنن في النقد والقدح إن أخطأت الوزارات والوزراء، فمن العدل والواجب الشكر إن أحسن أولئك؛ دعما لهم، وتحفيزا للمزيد من الإصلاحات التي تأخرت علينا.
كان الخبر الأول الذي نشر في هذه الصحيفة "الوطن" يقول: "إحضار الزوج الممتنع بالقوة الجبرية في قضايا الطلاق"، وتذكرت من فوري سيدة سعودية، اتصلت بي قبل عشرة أعوام وقتما كنت مشرفا في ملحق "الرسالة" بصحيفة "المدينة"؛ ترجوني أن أطرح إعلاميا قضيتها الإنسانية، حيث إن أهلها زوجوها بسنّ الثامنة عشرة من عمرها، ولم تكمل عامها الأول، حتى رماها ببيت أهلها دون طلاق لمشاكل معتادة في الحياة الزوجية، وعبثا حاولوا الحصول منه على ورقة الطلاق، إلا أن المشاكل تفاقمت، والعناد ساد الموقف بين أهلها وزوجها، الذي كان يتأبى ويرفض بكل خسة تنازلاتهم، ويتهرب من مواعيد المحكمة، ولا يحضر أية جلسة منها، وتقول لي بصوت متهدج: "لنا على هذا الحال قرابة سبعة عشر عاما، وأنا معلقة في بيت أهلي، فمن سيعوضني عن أزهى سنيّ شبابي، بسبب فرد لا رجولة فيه ولا رحمة؟".
لا أعرف عن الذي حصل لهذه السيدة الكريمة التي لا يزال صوتها الحزين يتناهى بأذني، وقد مضت الآن سبع وعشرون عاما على حادثتها، وبالطبع هناك عشرات آلاف القصص من أمثالها في بيوتاتنا، لنساء لم يكتب الله لهن التوفيق في حياتهن الزوجية، ذهبت أروع سنيّ أعمارهن وهن معلقات، وذبلن وقد كن زهرات يافعات، مقبلات على الحياة، وانتهين إلى أرواح خاوية، قد سلب منهن الأمل والأحلام، والسبب رجل عديم المروءة والخلق، أعطي حق العصمة التي أساء استخدامه، دون أي امتثال للتوجيه الرباني الفريد: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، الذي تمنيت فعلا أن يُعلّم للزوجين، في دورات قبل الزواج.
لأسرد هنا ما قاله العلماء في تفسير تلك الآية التربوية العظيمة: "التسريح بإحسان؛ أن يؤدّي للمرأة حقوقها بعد الانفصال النهائي، ولا يسعى للإضرار بها عملاً وقولاً، بأن يعيبها في غيابها أو يتهمها بكلمات رخيصة ويُسقط شخصيتها وسمعتها أمام الناس، وبذلك يحرمها من إمكانية الزواج مجددا. فكما أنّ الصلح والرجوع إلى الزوجة يجب أن يكون بالمعروف والإحسان والمودة، فكذلك الانفصال النهائي يجب أن يكون مشفوعاً بالإحسان أيضاً، وممّا يستجلب النظر في مورد الرجوع والصلح هو التعبير بـ(المعروف) ولكن في مورد الفرقة والانفصال، ورد التعبير (بإحسان) الذي يفهم منه ما هو أعلى وأسمى من المعروف، وذلك من أجل جبران ما يتخلف من المرارة والكآبة لدى المرأة بسبب الانفصال والطلاق".
هناك أمر أتمنى أن يتبناه معالي وزير العدل الدكتور محمد العيسى، وهو حق النفقة، فلربما يحصل الطلاق، ويأمر القاضي بحق النفقة للزوجة مقابل رعايتها الأطفال، إلا أن كثيرا من الأزواج لا يلتزمون، ويتهربون من هذه النفقة الواجبة عليهم، والزوجة المسكينة ربما تمنعها الأعراف الاجتماعية من أن تطالب بهذا الحق، وإن طالبت مرة طليقها المتهرب، لن تستطيع المرات التي بعدها، فلماذا لا يكون هناك إلزام من المحكمة، بأن يستقطع جبرا – طالما كان الحكم قضائيا- من راتب الزوج، وحسابه في البنك، المبلغ المستحق للزوجة، ويحوّل إليها، بمثل ما تفعل البنوك إن قمنا بالاستدانة منها دون مشورتنا أو استئذاننا ورغم أنوفنا ونحن ننظر.
أذهب إلى أن مثل هذه الخطوة ستخفف من أرقام الطلاق، فمعرفة الزوج بأنه ملزم بالنفقة بحكم الشرع والقانون، وبأن تبعات مالية ستترتب عليه رغما عنه، ولا يستطيع التفلت من تلكم الالتزامات؛ تجعله يتريث كثيرا في موضوع الطلاق، وسيفكر بالعواقب ويتمهل، والاحتقان الذي بسببه وصلت المشكلة لذروتها مع زوجته، ربما مع الأيام يخف ويزول، فليت شعري أي بيت هو خال من المشاكل الزوجية، ولكن لابد من المعروف وحسن الخلق مع زوجاتنا اللواتي أوصى سيّد البشر-صلى الله عليه وسلم- وهو يحتضر بهن.
ثمة امرأة شابة مطلقة من أسرة ميسورة الحال، ضربت أنموذجا ومثالا رفيعا في المطالبة بهذا الحق، ورغم أن والديها ينفقان عليها وأبنائها، إلا أنها بعد مضي عام وأكثر لم يلتزم الزوج فيها بالنفقة، رغم شفاعة بعض الأقرباء، أقامت - في خطوة مفاجئة- دعوى قضائية على زوجها من خلف أهلها، وعندما عوتبت بأنها من أسرة ميسورة الحال، وأهلها لم يقصروا معها وهي بغنى عن النفقة، قالت: "أردت أن أعرّف بنات قبيلتي المحتاجات - اللواتي في ظروفي - بهذا الحق الذي أعطاه الإسلام لهن، وأن من حقهن المطالبة، لا الرضوخ للأعراف الاجتماعية التي تدخل مثل هذه المطالبة في العيب الاجتماعي البغيض".
يكتنف قضايا المرأة في مجتمعنا كثير من الظلم الذي يقع عليها، والإسلام أعطاها حقوقا وكرمها، بيد أن المرأة هنا لا تستطيع أخذ تلك الحقوق من باب العيب الاجتماعي، فيقف والداها وإخوتها وعائلتها أجمع ضدها، بسبب هذه المعايير والقيود الاجتماعية الظالمة، وأتمنى أن تبادر أخواتنا ممن تعلمن وتثقفن بضرب النماذج بمثل ما قامت به أختنا الشجاعة، وألا يخضعن لقيود ظالمة، تسلل عبرها دعاة حقوق المرأة ومنظمات حقوق الإنسان، ليصموا ديننا بأنه ضد المرأة، وأن مجتمعنا الإسلامي يمارس تمييزا ضدها، ولعمرو الله لو أنصفوا وعرفوا حقيقة تكريم الإسلام للمرأة، ما فاهوا بذلك الظلم، بيد أن أمامهم ممارسات مؤلمة في مجتمعنا، شهروها في وجوهنا، وأطلقوا أحكامهم عبرها.
القرار بإحضار الزوج جبرا للمحكمة، قرار حكيم، وخطوة مقدرة، وبرأيي أنه سيحل عشرات الآلاف من القضايا المتراكمة في أدراج القضاة.
الخبر الآخر الذي أبهجني، ما جاء في إحدى الصحف الإلكترونية أن "وزارة العدل تحجز على أموال "شخصية اعتبارية" وتسحب 100 ألف ريال من حسابه بالقوة الجبرية وتطرح عقاراته في مزاد علني"، ولربما كتبت لاحقا عن هذا القرار الذي يقي مجتمعنا من الهلاك، إذ لا فرق بين شريف وضعيف، فالكل سواسية تحت مظلة القانون، وبرأيي أن هذا الحكم، سيفتح آفاقا واسعة، ويوقف كثيرا من المتنفذين والهوامير من السرقة وظلم الضعفاء، ولا نملك سوى الدعاء لمن كان خلف أمثال هذه القرارات الجريئة التي نحن بمسيس الحاجة لها ولغيرها.
بحق أقول: كم أتمنى أن تسود العقليات التي وراء نهضة وزارة العدل ووثباتها، بقية الوزارات الشرعية كوزارة الشؤون الإسلامية وهيئة الأمر بالمعروف وغيرهما من المؤسسات الشرعية.