وقع أول من أمس، حادث مروري مريع، تمثل في سقوط سيارة بمن فيها من كوبري "عتيقة" في الرياض، مما نتج عنه وفاة أربعة من ركاب السيارة، يرحمهم الله، ونقل البقية إلى المستشفى نسأل الله لهم الشفاء، وقد هرب المتسبب في الحادث، وتم القبض عليه لاحقا بعد مطارة مثيرة ولا تسيطر على المجالس السعودية هذه الأيام إلا حوادث المرور وما ينتج عنها من وفيات وإعاقات وأحزان، أعيت معظم النفوس التي ليس لها حول ولا قوة أمام هذا الوباء، وقبل هذا الحادث "الطازج"، ما زلنا نتذكر حادثة المطاردة بين بعض رجال الهيئة وإحدى السيارات وما نتج عنها من وقوع سيارة المطارد من فوق الجسر، وما زالت الحادثة رهن التحقيق ثم محزنة "الدكتور البشري" وأبنائه.

وهذه نماذج كثيرة من الوقوعات المرورية التي تحصد لدينا الآلاف يوميا وتخلف كثيرا من الإعاقات والتشوهات، التي تحرز فيها المملكة رقما عالميا متقدما، والواقع أن قيادة السيارات في مدن المملكة لا تخضع لقانون مروري ولا لنظام منضبط ينظم انسياب وتدفق السيارات في الشوارع، بل إن القيادة عندنا تعبر عن همجية بشرية تبرز فيها الأنانية الفردية بشتى صورها؛ فكل سائق يريد أن يكون الأول والأسبق والأحق، ويريد أن يصل قبل الآخرين حتى ولو كبحت رغبته الإشارة الضوئية الحمراء، لكنه يريد أن يكون في مقدمة الواقفين عند الإشارة، وإن لم يجد له فسحة أو مكانا فلا خير من أن يميل إلى أقصى اليمين وصولا إلى المقدمة حتى ولو أغلق المسار الأيمن لمن لا يرغبون في المضي إلى الأمام، وكذلك الحال في كل "الأفضليات" في الطرق التي هي حق للآخرين لكنها تنتهك فرديا على نحو يحفز الجميع في ظل هذه الفوضى غير المنضبطة بقانون، وفي ظل غياب الرادع، وفي ظل غياب رجل المرور الميداني لجعل القيادة اجتهادا فرديا وحرية شخصية تسمح للسائق بفعل كل ما هو ممنوع في سلوك ونظام قيادة السيارة، الذي يطبق في كل دول العالم إلا هنا.

السياقة في شوارعنا تشبه إلى حد كبير السياقة في البر والصحراء، التي لا تقيدها نظام أو تقاطع أو رصيف أو إشارة ضوئية أو دوار، أو غير ذلك، ولهذا ترى كيف يتم تجاوز الإشارة الحمراء، وقفز الأرصفة، والتحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وعكس اتجاه السير، والمحزن أن هذا الاختراق يتم في وجود سيارة المرور، الذي غالبا يعلم أن هيبة المرور منتهكة، وبالتالي فإن ملاحقة المخالف ستقود إلى مخاطر محتملة عليه وعلى الآخرين.

وعليه فإننا نسأل عمن أفقد أنظمة المرور ورجالهم الهيبة والاحترام في نظر السائقين الذين لا يكترثون لوجودهم؟

والجواب يكمن في المحسوبية والواسطة التي سادت سابقا حين كان يتم إيقاف المخالف ثم يتم إخراجه بمجرد تلقي اتصال هاتفي من وجيه أو معرفة.

أيضا يدخل في الأبيات كون شوارعنا ساحة تدريب للوافدين، وكذلك للأبناء الصغار الذين تضطر الظروف بعض العوائل لجعلهم يدخلون معركة القيادة مثلا دون تدريب أو تعليم، وجعل الشارع هو المدرب على رأس العمل. يضاف إلى ذلك بعض الذين يسوقون سياراتهم تحت تأثير الكحول أو الحشيش المخدر.

وفي حادثة كوبري عتيقة الأخيرة، لوحظ أن المستببين في الحادث كانوا في حالة غير طبيعية بسبب تعاطي الحشيش المخدر.

لكن الذي لفت نظري، هو تصريح منسوب للمرور، وهو أنهم لن يطبقوا نظام الاستشمام وتحليل الدم في حالة الاشتباه بالتعاطي لدى بعض السائقين، وأرجع المرور السبب في ذلك إلى كوننا دولة إسلامية ولا يليق ـ بالتالي ـ أن يتم تطبيق التحليل؛ لأننا شعب مسلم ودولة مسلمة لا تسمح ببيع المسكرات ولا تفتح الحانات والخمارات!.

وهذا رأي منطقي بالتحليل الظاهري، ولكن الواقع يخالف هذا الاستنتاج المروري المثالي، الذي يصل إلى حد السذاجة إن صح نسبته إليهم.

فالمرور يعلم يقينا أن الحدود كانت تطبق بحق شاربي الخمر في دولة الخلافة الراشدة، وفي عهد النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي أسلم دولة إسلامية! إلا إذا كان المرور لا يعلم شيئا عن جهود مكافحة المخدرات وضبطها لكميات من أنواع الحبوب المخدرة والحشيش والكوكايين والهيروين والخمور وكذلك مداهمات رجال الحسبة، وعليه أن يتخيل حجم الكمية التي تسربت، ولم يتمكن رجال المكافحة من كشفها، ثم عليه أن يتخيل هذه الرؤوس التي عصفت بها هذه السوائل أو هذه الأدخنة وهي تجوب شوارع مدننا "الإسلامية"!

يجب أن تتحول قيادة السيارة في شوارعنا وما ينتج عنها من وفيات وإعاقات إلى قضية وطنية كبرى، يتم التواصي بمعالجتها من جميع الجهات الحكومية العليا، وعلينا أن نعقد المؤتمرات والمداولات في هذا الشأن؛ لنصل إلى حل توافقي "حكومي وشعبي"؛ كي نخرج من هذه الحرب التي تدور رحاها في شوارعنا.