هذا الشهر، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يلعب حيلة قديمة لإنهاء المحادثات في واشنطن: التهديد بقتل رهينة. في هذه الحالة، الرهينة هي المحادثات نفسها، والحيلة القديمة كانت المطالبة بإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد.

نتنياهو أثبت القول المأثور: "الكلب المسن لا يستطيع أن يتعلم حيلا جديدة"، استخدم نفس التخريب في 1998 في محادثات واي بلانتيشين بين إسرائيل والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات: مطالبة الرئيس كلينتون بإطلاق سراح بولارد قبل التوقيع على اتفاقية مع عرفات، رفض كلينتون وفشلت المحادثات.

الرئيس كلينتون عرف مدى خطورة بولارد في 1986، كتب المدعي العام الأميركي جوزيف دي جينوفا تقييما قال فيه إن بولارد كان متورطا في أكبر عملية فضح لمعلومات سرية أميركية في القرن العشرين. ذلك التقييم أيده وزير الدفاع الأميركي كاسبار واينبرجر في 1985، وبعث مذكرة لا تزال سرية إلى المحكمة طالب فيها بأن يقضي بولارد حكما بالسجن المؤبد دون إطلاق سراح مشروط. مذكرات المدعي العام الأميركي كانت قد ذكرت أن بولارد "اعترف بأنه زود الإسرائيليين المشتركين معه بالمؤامرة بثلاث فئات منفصلة من الرسائل اليومية أو البرقيات طوال حوالي 17 شهرا". بولارد قدم "تفاصيل عن مواقع السفن الأميركية، محطات الطائرات، العمليات التكتيكية والتدريبية.. وعدة تحليلات سرية لأنظمة الصواريخ السوفييتية التي باعها المتهم إلى إسرائيل تكشف الكثير عن الطريقة التي تجمع بها الولايات المتحدة المعلومات".. بحسب خبراء استخبارات إسرائيليين وأميركيين وسوفييت في ذلك الوقت، مررت إسرائيل معلومات بولارد للاتحاد السوفييتي مقابل خدمات قدمها الاتحاد السوفييتي لإسرائيل، خاصة السماح بهجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل.

لكن نتنياهو كان لديه حافز آخر لإثارة قضية بولارد: تطمين عدد كبير من أمثال بولارد يعملون داخل جميع مستويات بيروقراطية الحكومة الأميركية، بأن إسرائيل لن تتخلى عنهم. إسرائيل كانت قد أبعدت بسرعة جميع المواطنين الإسرائيليين المتورطين في قضية تجسس بولارد، ورفضت بالسماح للولايات المتحدة، حليفها الكبير، بالتحقيق مع شركاء بولارد في المؤامرة، حتى بعد إصدار مذكرات توقيف بحقهم.

في 1998، عندما ضغط على كلينتون للإفراج عن بولارد، كان نتنياهو غاضبا بسبب كشف التجسس الإسرائيلي. قبل عدة سنوات فقط، تم الكشف عن وجود عملية "ميجا"، التي يعتقد أنها أكبر عملية تجسس إسرائيلية تتخلل الحكومة الأميركية على الإطلاق. بحسب صحيفة واشنطن بوست، في يناير 1997، اعترضت وكالة الأمن القومي الأميركية اتصالا هاتفيا بين مسؤول إسرائيلي في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وداني ياتوم، رئيس الموساد الإسرائيلي. المسؤول الإسرائيلي طلب الإذن من رئيس الموساد للذهاب إلى "ميجا" للحصول على نسخة من رسالة سرية كان وزير الخارجية الأميركي حينها وارن كريستوفر قد أرسلها إلى رئيس السلطة الفلسطينية في ذلك الوقت ياسر عرفات، تتعلق بالتأكيدات الأميركية حول اتفاق تم التفاوض عليه مؤخرا، من أجل انسحاب عسكري إسرائيلي من منطقة الخليل في الضفة الغربية. لكن ياتوم رفض الطلب قائلا إن "هذا ليس شيئا نستخدم ميجا من أجله." لكن "ميجا" لم يتم التعرف عليه مطلقا.

إسرائيل نفت مسؤوليتها عن بولارد على مدى 13 عاما. مُنح الجنسية الإسرائيلية في 1996، لكن إسرائيل لم تعترف رسميا إلا في مايو 1998 بأن جوناثان بولارد عميل إسرائيلي كان يعمل تحت إشراف مسؤولين إسرائيليين كبار في مكتب العلاقات العلمية (ليكيم).

فيما يلي عرض مختصر عن اثنين من المسؤولين عن بولارد في ليكيم.

رافي إيتان: أحد مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، وكان يدير (ليكيم) التي تعدّ وكالة الاستخبارات العلمية في وزارة الدفاع الإسرائيلية. إيتان كان يدير أيضا فرق القتل التابعة لمنظمة "إرهاب ضد الإرهاب" التي بدأت العمل بعد مقتل الرياضيين الإسرائيليين في ميونيخ عام 1972. هذه الفرق قتلت عشرات الفلسطينيين والعرب في أوروبا. إيتان حصل على حماية كاملة من الخضوع للتحقيقات الخاصة ببولارد، وتمت ترقيته فيما بعد ليصبح رئيس الشركة الكيميائية الإسرائيلية، وهي أكبر شركة تملكها الحكومة الإسرائيلية، ثم أصبح وزيرا في الحكومة.

الجنرال في سلاح الجو الإسرائيلي آفيام سيلا: أحد كبار مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية في (ليكيم)، وهو الذي كلف بولارد بمهمته. سيلا تم سحبه بسرعة من الولايات المتحدة في 1985 لإبعاده عن التحقيقات. صدرت مذكرة توقيف قضائية أميركية بحق سيلا لكن إسرائيل رفضت تسليمه وتمت مكافأته بتعيينه قائدا لثاني أكبر قاعدة جوية في إسرائيل (تل نوف). روث سيلا، زوجة الجنرال آفيام سيلا، كانت مسؤولة في القسم القانوني في رابطة مكافحة التشهير اليهودية طوال الفترة التي كان بولارد يعمل جاسوسا فيها.

نتنياهو يولي أهمية بالغة للعملاء الإسرائيليين في أميركا لأنهم يحافظون على سلامة البيئة لإسرائيل حتى تعمل بحصانة. هناك أشخاص في مناصب رفيعة في الولايات المتحدة يعملون لصالح إسرائيل، وبعضهم لديه تصريح بالوصول إلى معلومات سرية مهمة، مثل نائب وزير الدفاع الأميركي السابق ريتشارد بيرل وغيره.

لقد كُتب الكثير عن بولارد، ولكن إلى أن تحصل الولايات المتحدة على الإجابات التي كانت تطالب بها حول "ليكيم، إيتان، سيلا"، وآخرين، لم يكشف عن أسمائهم، لا أحد يعرف حتى بداية الحكاية.