يتذكر أبو محمد بكثير من التأثر الخلاف الذي وقع بينه وبين زوجته ذات يوم، والذي استمر يومين، وبعذ ذلك تلقى رسالة قصيرة منها، طرزتها بأبيات من قصيدة نزار قباني "لمن صبايا لمن شال الحرير لمن.. ضفائري منذ أعوام أربيها.. أرجع إليَّ فلا عقد أعلقهُ.. ولا لمست عطوري في أوانيها.. إن تطلب البحر في كفيك أسكبه.. أو تطلب الشمس في عينيك أرميها"، ووصف أبو محمد كيف تقافز من الفرح، وغادر الاستراحة مسرعا إليها بالبيت.
ويدين أبو محمد، كما يقول، بالفضل للقصيدة في عودة المياه إلى مجاريها، كما يدين بالفضل للتقنية الحديثة التي أوصلت إليه مشاعر زوجته، وكانت واسطة سريعة بينهما دون الحاجة للكثير من الاعتذار والكلام.
ورأت الزوجة "أم علي" أن غالبية الأزواج لا يعرفون الرومانسية، ويتعاملون بواقعية شديدة مع زوجاتهم، رغم أن العاطفة كائن حي يحتاج إلى الاهتمام كي ينمو ويكبر، مضيفة أن جلسة واحدة على البحر بين الزوجين، أو حديقة عامة تكفي لإذابة جميع الهموم والأوجاع. وأضافت "في بيئة اجتماعية مازالت تسيطر عليها عادات مرهقة، تبقي الحياة الزوجية تحت هيمنة الرجل وحده، فهو المتصرف في كل شيء، دون أدنى مشاركة من المرأة، وما يشجع على اختفاء الرومانسية هو الاستشارات الخاطئة من قبل حاشية الزوج التي تحرضه دائما على عدم الاستسلام والخضوع لزوجته، ظناً منهم أن ذلك استنقاص لرجولته".
وأكد اختصاصيون أن الرومانسية التي تلف العلاقات الزوجية والأسرية هي بمثابة الأكسجين الذي يعيش عليه الإنسان، وعند فقدها تصبح العلاقة مليئة بالشوائب والغبار والأتربة معاً، ومعها لا يستطيع الفرد التنفس إلا بصعوبة، وفي هذه الحالة تتوقف رئة الود والوئام، في ظل التطور الحداثي على كافة المعطيات.
يقول الباحث الاجتماعي ناصر المطاوعة لـ "الوطن" إن الرومانسية الزوجية تمثل مصطلحاً حداثياً يتطابق مع مفهوم المودة والرحمة التي أصَّل لها القرآن الكريم بين الزوجين. وهي حالة وقود عاطفي لا تستقيم الحياة الزوجية إلا به، وحالة كامنة في لا وعي الطرفين، وتضفي لمساتها بين فترة وأخرى. وأضاف أن "الإبداع في هذا المجال هو فن ممكن، وباستطاعة الزوجين القدرة على إذكاء روح الرومانسية من خلال المتاح، بأشياء بسيطة مثل وردة حمراء، أو رسالة جوال، أو كلمة حب وإعجاب.. كل ذلك يكون كافيا لقدح زناد الحب في الحياة الزوجية". وأشار المطاوعة إلى أن "استمرار هذا الجو الجميل بين الزوجين سينعكس على أفراد العائلة بشكل عام، فالطفل عندما يعيش في هذا الجو الخالي من الصراخ والشجار، يتشبع عاطفة وأدباً وأخلاقاً، والأطفال- وإن كانوا صغارَ سن- يقرؤون بتمعن علاقة أبويهما العامة، وتعيش معهم تلك الذكريات عندما يكبرون".
المستشار الأسري علي العباد أكد لـ"الوطن" أن مفهوم الرومانسية يختلف من الرجل إلى المرأة، لأنها عند الزوج وسيلة، وعند زوجته غاية، وكذلك يختلف عند النساء، فمنهن من تراها محصورة في الشموع، وأخرى في الكلام، وثالثة في الأزياء المعينة، ولكن الخلل يكمن في ربطها باستمرار الحياة الزوجية، لأنها من الممكن أن تستمر بدونها، وتسير الأمور بشكل طبيعي، ولكنها ستكون جافة نوعاً ما". واعتبر العباد أن كثيراً من الشباب- الآن ومن خلال الدورات التي قدمها- بدأ يمارس الرومانسية بشكل فعال، وهذا ناتج من التأثر بما يحيط به من العالم الخارجي، والانفتاح التقني المعلوماتي، مؤكدا أن هذا الجيل تجاوز حدود العادات والتقاليد، حتى في طريقة ترتيب المائدة، واللباس وقصات الشعر، ولكن هناك فروقا فردية بين الأشخاص.