ذاكرتي الضعيفة، ومنذ الصغر، كانت وما زالت تسبب لي كثيرا من الحرج وأحياناً كثيرا من الألم، فعند نهاية المرحلة المتوسطة وبعد نهاية العام الأول من اجتيازي للصف الأول الثانوي كنت أمام أول قرار مفصلي في حياتي وهو اختيار أحد طريقين لا ثالث لهما آنذاك فإما اختيار القسم العلمي (رياضيات - فيزياء - كيمياء - أحياء.. إلخ) أو القسم الأدبي (أدب - نصوص - بلاغة ونقد.. إلخ) حينها قررت الاتجاه للقسم العلمي هرباً فقط من الحفظ والاستذكار لأني كنت ممن يعانون صعوبة الحفظ وما زالت ذاكرتي (رغم ضعفها) تحتفظ بكثير من قسوة ألفاظ ذلك المعلم، الذي لم يتردد يوماً بأن يردد بيتاً يحفظه هو دون فهم، فكان يقول لي مع كثير من الازدراء (شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي، فأرشدني إلى ترك المعاصي، وأرشدني بأن نور الله علمٌ، ونورُ الله لا يؤتى لعاصٍ!!)، هكذا بكل بساطة وُضعتُ في خانة العُصاة فقط لأني ضعيف الذاكرة ومن أصدر الحُكم هو معلم، كان من المفترض أن يأخذ بيدي ليعينني على إخفاقي لا العكس، دارت الأيام وكبرت وانخرطت في المجال المهني وتنقلت في عدد من الوظائف والمرافق وكبرى الشركات ومع ذلك استمرت ذاكرتي في الضعف لأقع دائما في الإحراج مع أشخاص قد أتذكر أشكالهم وأنسى أسماءهم أو العكس وتسبب ذلك بإلصاق تهمة بغيضة بي وهي التكبر، وحاشا لله أن أتكبر بل أدعو الله دائماً وأقول: اللهم إن تسلل الغرور إلى قلبي، فزدني ذُلاً إليك وإني اليوم أدعو جميع الأطباء بالاجتهاد أكثر لعلاج هذه المعضلة لأنها تسبب كثيرا من الألم، وأخشى ما أخشاه أن تتحقق دعابات أصدقائي بأني قد أتعرض للزهايمر في خريف عمري، إن أراد الله لي البقاء لأرذل العمر، حينها تذكروا جيداً أني قد أفقد كل شيء في ذاكرتي ولن يبقى إلا ما خطته يداي لذلك، أوصيكم حينها بأن تتذكروا طلبي بأن أدفن في تراب مكة، فاللهم أختم بالصالحات أعمالنا حين نلقاك.