إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي "جوناثان بولارد" كهدية لإسرائيل للحفاظ على استمرار مفاوضات الوضع النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين لعدة أشهر أخرى أو سنة أمر خاطئ للغاية. وردة الفعل ضد هذه المقامرة البائسة تكاد تخنق البيت الأبيض بسبب الانتقادات.

تاريخيا، كان الخونة في الولايات المتحدة يُعدمون أحيانا عقابا على جريمتهم. خيانة بولارد للولايات المتحدة وصفها المراقبون بأنها من أخطر الانتهاكات الأمنية في تاريخ الولايات المتحدة. جرائم بولارد ليست فقط متعددة، لكنها مستمرة بمعنى أن منظمات شبكات التجسس الإسرائيلية التي كانت تشرف على أعماله لا تزال موجودة. الوثائق السرية -أكثر من مليون بحيث يمكن أن تملأ مساحة غرفة- تم تقديمها أيضا إلى الصين والاتحاد السوفيتي. الشبكة السياسية التي دعمته والتي كان مرتبطا بها نفسيا وعاطفيا في ارتكاب جرائمه -أي متطرفو إسرائيل العظمى الذين يريدون طرد العرب من "الدولة اليهودية" والتي تدعي أن كل الأرض بين البحر المتوسط حتى نهر الأردن هي أرض منحها الله لـ"الدولة اليهودية"- تكبر وتصبح أكثر تطرفا داخل إسرائيل وتهدد استقرار المنطقة بالكامل.

إذا مضى الرئيس "باراك أوباما" في هذه المهزلة، فسوف يحتقر الوطنيين في الجيش الأميركي والوكالات الأمنية. بحسب مصادر مطلعة في واشنطن، حافز أوباما في التفكير في هذا العمل هو محاولة دفع المفاوضات نحو الاستمرار إلى أن يغادر البيت الأبيض، بحيث يستطيع الادعاء بأنه ترك "إرث الفرصة".

إذا نفذ أوباما هذه المهزلة، فسوف يُتوج نتنياهو بطلا قوميا لإسرائيل.

في سيناريو آخر للبيت الأبيض، من خلال إطلاق سراح بولارد، يحتفظ أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي على الطاولة فيما تستمر إسرائيل بارتكاب فظائع غير مقبولة، مثل مصادرة الأراضي، و قيام الجيش الإسرائيلي بقتل المراهقين الفلسطينيين الذين يلقون الحجارة. في هذا السيناريو، يصبح الظلم غير مقبول إلى درجة أن الجانب الفلسطيني يتخلى عن المفاوضات، وتدعي واشنطن وإسرائيل أن الفلسطينيين لا يريدون السلام، وأنه لا يوجد شريك للسلام. هكذا، يمكن أن تستمر الإبادة البطيئة للشعب الفلسطيني ويستطيع أوباما أن يدعي أن يديه نظيفتان.

إن إطلاق سراح بولارد لا علاقة له بفلسطين أو المفاوضات الحالية، لقد كان ذلك هدف نتنياهو على مدى عقدين تقريبا. في 1998، أفشل نتنياهو مفاوضات "واي بلانتيشين" التي رعاها الرئيس "بيل كلينتون" بين الرئيس ياسر عرفات وإسرائيل من خلال المطالبة بإطلاق سراح بولارد. في 2002، كجزء من حملته ليصبح رئيسا للوزراء والتقرب من أقصى اليمين داخل إسرائيل، زار نتنياهو بولارد في السجن الفيدرالي الأميركي.

ثم إن إسرائيل أخلت بوعدها في 2013 بإطلاق سراح سجناء فلسطينيين معتقلين لديها!

لقد تسبب تفكير أوباما في إطلاق سراح بولادر في تيار من المعارضة والانتقادات. الأدميرال البحري "توماس بروكس"، الذي كان مدير الاستخبارات البحرية، قال لمجلة "فورين بوليسي": إن "معظم ما أخذه بولارد، بعكس ما حاول إقناع الناس به، لم يكن له علاقة بالدول العربية أو أمن إسرائيل، لكنه أخذ كل شيء له علاقة بأساليب جمع المعلومات في الولايات المتحدة، بما في ذلك جمع المعلومات عن الاتحاد السوفيتي".

قناة "إي بيس إي نيوز" قالت أيضا إن هيئة التحقيقات الجنائية البحرية في مكتب التحقيقات الفيدرالي لم تقيم بشكل كامل حجم الملفات السرية العسكرية والاستخباراتية التي باعها بولارد للعملاء الإسرائيليين بقيمة أكثر من 600 ألف دولار بدءا من ثمانينيات القرن العشرين إلى أن تم اعتقاله في 1985. وقالت مصادر إي بيس ي إن بولارد سرق وثائق بالغة السرية تتعلق بما هو أكثر من إسرائيل وتتضمن معلومات سرية عن القدرات الاستخباراتية الأميركية، ووصلت هذه الوثائق إلى أيادي جواسيس في روسيا، وجنوب أفريقيا، ودول أخرى.

يقول السيناتور الجمهوري "مارك كيرك": إن بلارد "يجب ألا يطلق سراحه.. آمل أن يتعفن في جحيم السجن لمدة طويلة". السيناتور "ديان فينستاين" من الحزب الديموقراطي أدانت فكرة إطلاق سراح بولارد. مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق "مايكل هايدن" قال إن إطلاق سراح بولارد بشكل مبكر يعتبر "خيانة".

هل يكفي هذا لمنع الاتفاق الذي يحاول نتيناهو تحقيقه مع أوباما؟ بعض المراقبين في واشنطن يعتقدون أن الرئيس المغرور قد يمضي في تنفيذ هذا الأمر في أي حال من الأحوال.

المعركة الرئيسية في أيدي "المؤسسات الأميركية" المحاربين القدماء في الكونجرس والبنتاجون والجيش والاستخبارات والفرع التنفيذي الذين يعرفون جميعا حق المعرفة أن إسرائيل ليست صديق الولايات المتحدة الخالدة، وأن المصالح الأميركية ليست متطابقة مع المصالح الإسرائيلية. تلك الكذبة في قلب التوجه نحو إطلاق سراح بولارد.. كذبة أن التجسس لصالح إسرائيل لا يمكن أن يعتبر جريمة لأن إسرائيل دولة صديقة للولايات المتحدة.

لقد آن الأوان لدفن تلك المهزلة المهينة إلى الأبد، وهذه فرصة عظيمة للقيام بذلك.