ككثير من الشؤون التي تتعلق بالمرأة، حين تبحر فيها وتتأملها جيدا، لن تجد ما يستدعي منعها لا شرعيا ولا اجتماعيا ولا حتى "بطيخيا". ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخرج إلا بنتيجة واحدة فقط، هي أن هناك منتفعين من بقاء الحال على ما هو عليه، وهم فئة الممانعين ويفعلون ذلك لغرض ممارسة الممانعة والحضور، وكي لا تذهب ريحهم. وحين تطلب منهم سببا واضحا ومقنعا، لن تجد سوى نظرية سد الذرائع وبعض الأفكار البائدة التي تجاوزها الزمن والمجتمع والعالمين.
الرياضة في مدارس البنات قضية أخرى تكشف زيف مبادئ الأخوة الممانعين وخواء قناعاتهم، وهؤلاء بالمناسبة ليسوا بالضرورة أن يكونوا رجال دين أو لهم علاقة بالتدين. قد يكون أحدهم جاهلا عربيدا هوايته تربية "الشنب"، ولكنه ضد أي حق للمرأة، من خروجها للعمل إلى ممارسة الرياضة وصولا إلى قيادة السيارة. والفكرة عموما تكمن في نظرته الدونية لهذه المخلوقة وقصرها على أنها "حرمة" ليس من حقها أن تقوم بما يقوم به الرجل.
بالأمس القريب وافق مجلس الشورى بالأغلبية على إدراج مادة التربية البدنية في مدارس البنات، وهو قرار طال عن موعده، وأن تأتي متأخرا خير من أن يؤتى بك، والغريب أن فصيل الممانعة لم يتحرك بقوته المعتادة، ويبدو أن الأمر بات منطقيا في نظرهم، وحتى مسألة سد الذرائع لن تدعم موقفهم هذه المرة. فأي مفسدة في جري الفتيات خلف كرة في مبنى محكم الإغلاق، وأي مصلحة تقدم على منح البنات قليلا من الوقت مرة في كل أسبوع للحركة واللياقة والمرح.
لن أذهب باتجاه اقناع المجتمع بعدالة القضية، والقول إن حصة الرياضة المدرسية الأسبوعية ستسهم في خفض نسبة السمنة وما إلى ذلك من أسباب تدعم تحقيق المطلب، وإن لم يحدث هذا كثيرا في مدارس الأولاد في نصف ساعة أسبوعيا.
سأتجاوز كل ذلك إلى الجزء المؤلم في كل هذه القضية، وهو سلب الفتاة حقها في ممارسة كرة القدم أو السلة والركض في الملاعب والساحات بحرية وانطلاق مع رفيقاتها، وهذا الأمر يندرج تحت مسمى المتعة والاستمتاع بالحياة. وإذا كان أبو جهل يدفن البنات صغارا وهن أحياء، فنحن ندفنهن صغارا وكبارا وفي كل الأعمار وهن أحياء، بحرمانهن من حق دنيوي سيحاسبنا الله عليه.