حين قررت وزارة الثقافة والإعلام الشروع في تنفيذ تجربة الانتخابات لاختيار إدارات الأندية الأدبية، وتقدير فكر ومكانة المثقف تحديدا، كانت تُعول ـ ربما ـ كثيرا على قدرات ومستوى وعي المثقف واستعداده لخوض التجربة واستيعابها، وممارسة العملية الانتخابية بطريقة تعكس الآمال المعقودة عليه، فأصدرت من أجل ذلك لائحتها التنظيمية، ـ التي كان الأولى من وجهة نظري ـ طرحها للنقاش والحوار بين المثقفين قبل إقرارها وطرحها موضع التنفيذ. إذ سرعان ما اختلف حول بعض بنودها كثير من المثقفين، لتتعالى الأصوات المحتجة على صيغتها، معبرة عن رفضها لبعض آلياتها، ومطالبة بتعديلها بما يلبي طموحات المثقف ومكانته الأدبية، وقد تجاوبت الوزارة مع تلك المطالبات بشكل جزئي! ولكن اللائحة ظلت عرجاء في أعين كثير من المثقفين، وحين بدأ العمل بها فعليا برزت إلى السطح الخلافات والصراعات، تارة مع الوزارة وتارة أخرى بين مجاميع المثقفين أنفسهم في أكثر من ناد أدبي حول المملكة، والواضح أن المثقف لم يختر معاركه بذكاء، فاتحا جبهات متعددة فقد معها تركيزه وقوته، فامتلأت أدراج مكاتب الوزارة بأوراق الشكاوى أكثر من المقترحات على مدى العامين السابقين! لينعكس لدى الوزارة ـ على ما يبدو ـ ما يشبه قناعات بفشل وضعف قدرات المثقف في التعامل مع قضاياه، وربما شعرت أنه خذل ثقتها فيه وتقديراتها التي أتاحت له لأول مرة في تاريخه، ما لم يُتح لغيره من فرصة الانتخاب الكامل لمجالس إدارات الأندية الأدبية، إذ من المتوقع أن تعلن وزارة الثقافة والإعلام عن تعديلاتها الأخيرة على اللائحة، والقاضية في أحد بنودها بأن تكون نسبة 50% سيادية، "أي تعيين نصف الأعضاء" وانتخاب النصف الآخر، على غرار لائحة المجالس البلدية، وفيما إذا صح ذلك وتم إقراره، فسيكون المثقف أمام خسارة تاريخية كبيرة، لتفويته على نفسه ومجتمعه فرصة إثبات علو كعبه كممثل لشريحة يُفترض تمتعها بالوعي والحكمة، ومدخلا مشجعا لتطبيقات انتخابية مماثلة في مؤسسات أخرى، ليقف أمام أكبر الدلائل الشاهدة على فشله في فهم واقعه والتعامل مع المتاح والممكن بذكاء وواقعية، وواضعا نفسه في صورة أقل بكثير من صيته!

وما حدث الأسبوع الماضي في اجتماع الجمعية العمومية لنادي جازان الأدبي، الذي وصلت فيه الأمور إلى حد الاشتباك بالأيدي وتبادل التهم والملاسنات، التي لا تليق بالمثقف ولا تمت للثقافة بصلة مطلقا، انشغل بها الشارع الجازاني بأطيافه كافة، وما يزال متذمرا من الحالة المتردية التي وصلت إليها الأمور، وكان للأستاذ الجليل القاص عمر طاهر أحمد زيلع، الذي سبق له أن تولى رئاسة النادي الأدبي بالنيابة بين عامي 1407 - 1413، تعليقا حزينا لخص المشهد من خلاله بهدوء قائلا: "ليلة اجتماع عمومية نادي جازان "2/6/35" توجهت إلى النادي متأخرا قليلا، وكنت سأدخل إلى قاعة المحاضرات رأسا حيث جرت العادة أن تُعقد مُعظم الاجتماعات فيها، لكني وجدت أحد المجتمعين عند المدخل، وفهمت منه أنهم مجتمعون في المكتبة، وفي لمح البصر تداعت إلى ذاكرتي صورة المكتبة الرائعة قبل تحويلها، ونقل الكتب أكداسا إلى موقع داخلي آخر، دخلت فترامى إلى مسمعي ضجيج ليس طبيعيا، تثاقلت خطواتي ولم أكن في حاجة إلى من ينصحني بعدم الدخول فعدت إلى بيتي، وفي اليوم التالي قرأت في "الفيسبوك" وسمعت أصداء ذلك الاجتماع المؤسفة، وهي ما تزال تتردد بالملاسنات والتراشق المحزنين.

حين ينجلي غبارها سيدرك كل الأطراف أنهم شاركوا في تعريض النادي للضياع أو كادوا؛ ليس ذلك وحسب بل ضيعوا سمعة الثقافة والمثقفين في مهب رياح مترب للأسف الشديد، وأن المحصلة الوحيدة في نهاية المطاف، هي إضعاف سمعة النادي والثقافة في جازان، فالتهم المتبادلة ـ ربما اعتباطا ـ إن لم يسندها دليل فإنها تصبح قضايا جنائية لا دخل لها بالجمعية العمومية ولا بالنادي ولا بالثقافة.. من كان له تحفظ ساعة اجتماع مثل هذا يسجله بهدوء إذا كان الأمر يتعلق بفقرة أو أكثر من جدول الأعمال في فقرة "ما يجد من آراء وأفكار"، ومن له موقف من المجلس أو من أشخاص معينين مؤسس على اعتبارات قوية، فليس هذا الاجتماع موقعه المناسب، أعضاء المجلس أي مجلس كان، المفترض تقبل ما يُقال حتى لو كان خارج الموضوع ففي النهاية القرار للأغلبية، فالوزارة ليست معنية بالمهاترات، وكل ما حدث يمثل المشاركين سلبا وإيجابا، وما يهمها في الأخير هو ما أُقر، والنظر في التحفظات ووضعها على المحك الإداري..

أيها الأعزاء، لا أحد ينتصر في شجار تحركه العواطف، ووجهات النظر السليمة تقدم افتراضا بأسلوب سليم وهادئ، وجازان كلها تدعوكم لتحسين سمعتها الثقافية.. ثم إن النادي بوصفه صعيدا إداريا ليس شيئا خاصا، بل للمنطقة كلها وللماضي والحاضر والمستقبل، وأخشى أن هذه الظاهرة تصبح منعطفا في السياق الثقافي العام، بمعنى أنها مرحلة جديدة تُحسب على الثقافة برمتها، وتصبح الوسيلة هي الغاية.. مجرد استنتاج قد يكون سوداويا.. والله المستعان".

ومثل تلك الأحداث في الواقع لا تخدم العمل الثقافي، أو السعي إلى منطقة الممارسة الديموقراطية في الأندية الأدبية، ولا تُشجع الوزارة على الحد من تطبيق قيود جديدة ـ ربما ـ على اللائحة مستقبلا.