في حوار قصير بيني وبين صديقتي "ميثاء" الإماراتية، قالت لي جملة مثيرة جداً لا تزال ترن في أذني حتى الآن، فقد قالت "سارة، أنتِ أطيب فتاة سعودية تعاملت معها حتى الآن"، وجاء جوابي استنكارياً لها "وهل يعقل؟ المرأة السعودية سيدة ممتلئة بالمشاعر الطيبة والنبيلة، كيف يمكنك أن تحكمي عليها بهذه الصورة؟"، لكن "ميثاء" كان لها رأي آخر مختلف فقالت بتوتر ظاهر "لا، لا، لقد تعاملت مع سعوديات كثر ووجدت في تصرفاتهن الكثير من العنف". بالتأكيد فرحت لأن صديقتي التي أعرفها منذ أعوام، تراني بصورة جميلة، لكني غاضبة على الصورة التي تخيلتها "ميثاء" عن المرأة السعودية، فمن وجهة نظري أن المرأة السعودية نموذج لن ولن يتكرر أبداً، فهي وبالرغم من كل المصاعب التي تواجهها، والضغط النفسي و"التعصب" القبلي الرجالي، إلا أنها مُصرّة على مواصلة نجاحها رغم كل العراقيل.
هل ما كتبته يصلح لأن يكون مقدمة جيدة لفكرة المقال الأساسية؟ فقد اكتشفت مؤخراً أن ثمة سلوك يتسم بالعنف واللغط وكثرة الجدال يقع فيه الشباب من كلا الجنسين في وطني، وبالذات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الأخص عبر اللغة التي تستخدمها "بنت أبوها"، أو "حمد أخو سيلفر" و"الطائر الفاتن"، وهي أسماء كما ترونها مستعارة، تختبئ خلفها سلوكيات غريبة ومندفعة، تشعر بالغيظ والكره أحياناً لصناع النجاح، وحينما يشتمك أحدهم لمجرد اختلافك معه في الرأي، وتذهب لتسترق النظر لحسابه، فتفاجأ أنه غارق بالأدعية والأذكار اليومية، والأحاديث الدينية، وروابط لقنوات دينية، فيستفزك ما تراه، وحتى تعريفه الشخصي يستفزك أيضاً، فأنت تجد خلف هذا الكم الكبير من البذاءة والقبح، صورة لعباءة دينية يرتديها "أخو سيلفر"، وهنا لا تعرف من تلوم؟ هل تلوم هذا المراهق الذي يحتاج بشكل فوري إلى علاج، أو إلى أسرته التي خرج منها، أو تلوم البيئة المحيطة به، أصدقاءه، زملاءه، أقرباءه، عيال الجيران؟ لا تعرف إلى من تلقي اللوم.
جرب مثلاً أن تقول رأيك عن مدينة الرياض، وقل عنها أنها مدينة لا تصلح للحياة، لاحظ أنك تتحدث عن مشاعرك الشخصية تجاه مدينة، أي أنك تتحمل مسؤولية ما تقوله وما تكتبه، وحاول أن تجرب مرة أن تعطي رأيك عن "نادي الهلال"، وتعتب على مدربه أو على تشكيلة الفريق، أو أن تكتب نصف كلمة عن المبتعثين "لا يزال البحث جارياً عن ماركة ملابس أخرى، غير بولو"، لا يهم، فأنا لا أحتاج لحملة عنصرية أخرى، ولكن لنفترض أن تكتب وجهة نظرك الشخصية عن التابوهات الثلاث، حينها ستكتشف أن ما قالته الإماراتية "ميثاء" حقيقي جداً، فليست فقط "بنت أبوها"، و"ندمانة" و"فتنة الوقت" و"العيون السود" من سيبدون عنيفي السلوك معك، بل كل من يملك حسابا في أي من البرامج الاجتماعية سيظهر لك أنيابه الحادة، وهم لا يعرفونك، ولم يقرؤوا سيرة حياتك، ولا يعرفون غير أنك قلت رأياً لا يتناسب مع عواطفهم وأفكارهم، وهم يعتقدون أنهم على حق، لكن طريقة إظهارهم لرفض فكرتك لا تأتي إلا عبر "الشتيمة". سيتركون الفكرة التي كتبتها، وسيبذلون قصارى جهودهم في "الطقطقة" عليك، وهنا يمكنك أن تقوم بدراسة على التابوهات المحرمة وهي "مدينة الرياض، نادي الهلال، والمبتعثون"، أي اقتراب من هذه المناطق الثلاث، عليك أن تتسلح بكل الأسلحة والذخيرة الكافية من قنابل عنقودية، ورشاشات، وأقنعة مضادة لأدخنة مسيل الدموع. إنهم يظنون أن ما يقومون به "شطارة" وأن "فتنة الوقت" التي تقتبس الشعر في حسابها، وتنوح في الليالي المقمرة مع قصائد فهد المساعد، وتعيد شريط ذكريات مراهقتها، تجد أن عبر شتائمها التي تقذفها تحت اسمها المستعار شيئاً ما يحقق لها الرضا النفسي، وأنا أعتقد أنها تقوم بذلك لأنها تواجه ضغوطاً نفسية هائلة من أسرتها أو من المجتمع الذي تعيش به، فهناك من يشتمها بطريقة أو بأخرى، وهي تقوم بالدفاع عن نفسها بطريقتها الخاصة، فمن عاش في بيئة جيدة وصالحة، لا يمكن أن يقوم بالتصرفات التي يقوم بها متعاطو وسائل التواصل الاجتماعي وبالذات في "تويتر".
أذكر مرة أنني كتبت رأيي الشخصي عن مدينة الرياض، اعترفت في تغريدة لي بأنني لا أحب هذه المدينة، وأجدها قبيحة وأقرب لسيدة مسنة بلا حياة أو طاقة فضفاضة، وهذا حق من أهم حقوقي أن أعبر عن رأيي الشخصي، يحق لي أن أقول هذا جميل وهذا قبيح، وأكره هذا وأحب ذاك، وهذا ما لم يستطع أن يفهمه الشباب، فما إن غبت عن تويتر لنصف ساعة وعدت، حتى وجدت الحساب وقد غرق في مياه بحر آسن، إذ عمت الفوضى، وتساوى الرجال مع النساء في التعري الأخلاقي، والإفراط في التخلف النفسي، وتبرع القاصي والداني في الدفاع عن الرياض بطريقة نضالية ووحشية، أقرب لأن تقول إن هذه الكائنات البشرية، كانت بالفعل تعيش تحت ظروف قاسية، لم يتم التعامل معها بتقدير حقيقي لقيمتهم الإنسانية. لذا، من الطبيعي أن يسود الهرج والمرج مثل هذه البرامج، بسبب فرضية القمع التي يعيشها الشامتون، وحيث لا توجد رقابة ولا توجد مصحات نفسية يمكنها أن تحتوي مثل هؤلاء المرضى، فعليك أن تتوقع الكثير من ردود أفعالهم اللامتوازية مع الحدث.
ميثاء عزيزتي، المرأة السعودية كائن رائع ومذهل، أما ما تشاهدينه في تويتر مثلاً، هو مجرد بوح نفسي خارج من أنفس عانت الهشاشة والقمع المبكر، ولم تفهم ما هي حقوقها التي يجب عليها أن تطالب بها، بدلاً من سلسلة الشتم والردح بسبب رأي عن مدينة أو عن نوع معين من القمصان.