يأتي وزير مشهود له بالكفاءة والنزاهة، فيمضي دورة وزارية أو دورتين، ويذهب دون إحداث أي بصمة لعهده، ثم يأتي بعده وزير آخر لا يقل عن سابقه، لكن المشهد ذاته يتكرر!
حينها تتزاحم الأسئلة: لماذا لم يحقق تغيير "الرجل الأول" بالوزارة الهدف المنشود؟ وكيف بقي أداء ذلك الجهاز دون تغيير إيجابي يذكر، هذا إن لم يكن سلبياً؟!
ليس وحدهم الذين على رأس هرم الوزارة والمطلعون على خفاياها لديهم الإجابة. كثيرون يعرفون أن المشكلة تكمن في "الحرس القديم" الموجود داخل تلك الوزارة من الوكلاء والوكلاء المساعدين ومديري العموم، ممن بقوا في مراكزهم، رغم تعاقب أكثر من وزير، حتى إن بعض أولئك "المعمّرين" من أمضى في منصبه ما ينافس عمر الوزارة ذاتها!
هؤلاء في الغالب هم الجهة التنفيذية لسياسة أي وزارة، وبالتالي هم من يصدر القرار في قطاعاتهم التي يشرفون عليها، وهم من يضع الخطط العامة لها، وأيضا من يشرف على التنفيذ.
ليس سراً إن قلت إن في بعض الوزارات "لوبي" يتخذ من "امسك لي واقطع لك" منطلقا له، حتى إن الوزير نفسه لا يستطيع -في بعض الأحيان- تفكيكه أو حتى الاقتراب منه. ومع الوقت تتضخم "شللية" أولئك النافذين حتى يسيطروا على أذرعة الوزارة فيحولونها إلى منصة لمصالحهم الشخصية. ومن البدهي أن ينعكس ذلك سلباً على حاجات المواطن فيما لو كانت طبيعة تلك الوزارة خدمية.
ليس دفاعاً عن الوزير -وقد انتقدت الكثير منهم هنا- إن قلت إنه ليس "شمساً شارقة" ليشرف على كل وزارته، وليس "إخطبوطاً" ليعرف كل مفاصلها. فإن لم يحظ بمساعدين مخلصين لإنجاز مهمته فلن ينجح وحده بلا شك.
إن أردنا إصلاحاً إدارياً حقيقياً، فيجب ألا يتوقف تغيير الدماء عند الوزير فحسب، ليشمل أيضاً رجال "الصف الثاني" من التنفيذيين. وإن تشبث أحدهم بكرسيه، فأعطوه إياه وليذهب به إلى منزله، فقد أخذ ما هو أكبر من الكرسي قبل رحيله!