جميع من شاهد ذلك المقطع البشع لحادثة قتل "أبو ملعقة" العامل الهندي المسكين ـ رحمه الله ـ شعر بالنفور والتقزز، لكن هناك مشاهد أخرى أكثر وجعا لم نشاهدها وتؤدي بنا إلى النفور والخوف على مصيرنا أيضا نحن الذين نعبر هذه الشوارع، إذ إن أي شخص سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا من الممكن أن يكون محل ذلك العامل المسكين في شارع أو حي ما، ويتم التعامل معه بسلبية من قبل العابرين ممن يكتفون فقط بالتصوير، وذلك نتيجة إطلاق مختل نفسيا ومدمن مخدرات في هذه الشوارع بعد أن تراخى مجمع الأمل الصحي توفير أسِرة لحالات كهذه، وفي ظلّ عدم قدرة بعض الأسر اقتصاديا على علاج هؤلاء أو توفير أسرة لهم في مستشفى خاص، يتخلصون منهم في الشوارع بعد فشل محاولاتهم في استحضار واسطة لتنويمه بأحد المستشفيات، خاصة حين يصبحون خطرا على أطفالهم وعلى الأسرة نفسها، فالشارع هو الحل المرّ بعد تخلي الأسر عن مسؤوليتها تجاههم! والقاتل "أبو ملعقة" -المعروف بخطورته في ذك الشارع والحارة التي يسكنها كما نقلت عنه الصحافة- مريض نفسي ومدمن مخدرات، وأهالي الحي بلغوا عنه خوفا منه لكن دون جدوى، وقبل أسبوع فقط من ارتكابه الجريمة البشعة كان يراجع مجمع الأمل للصحة النفسية في الرياض، ورغم أن حالته كانت تستوجب التنويم والتحفظ عليه لكن لم يتم ذلك لعدم وجود سرير شاغر بحسب ما نشرته "جريدة الحياة"! فهل تتخيلون هذه المأساة!؟ هكذا وبكل بساطة يطلق شخص مختل نفسيا يتوهم أن أناسا يريدون به شرا ويطاردونه ويمشي في الشوارع بين الأطفال والنساء، ومن الممكن جدا أن يكون أحد المارة ضحية قتل أو اغتصاب لأحد هؤلاء المرضى!

وأتساءل والسؤال مرّ كطعم الحنظل، كم "أبو ملعقة" يمشي بين الناس في الشوارع والأسواق نتيجة رفض مجمع الأمل أو المستشفيات الحكومية الأخرى التحفظ عليه وتنويمه لعدم وجود سرير شاغر!؟ وأين هي ملايين وزارة الصحة التي نسمع عنها ولا نراها على أرض الواقع!؟ وهل مجمع الأمل أو مستشفى الأمل في جدة وغيره من المستشفيات المخصصة لهذه الحالات تتناسب مع نسبة المرضى ضمن الإحصائية السكانية؟! وكم هي المشاهد المنفرة التي لم نراها ولن نراها ولم يتم تصويرها تمت في الأزقة والمنازل المغلقة؛ نتيجة وجود هؤلاء المرضى؟ الذين من حقهم أن يُعالجوا بتوفير بيئة علاجية مناسبة لحالاتهم إنسانيا بدلا من إطلاقهم في الشوارع ليرتكبوا الجرائم البشعة! فأبو ملعقة قبل أن يصبح مجرما قاتلا هو ضحية لهذا الإهمال والتسيب من قبل إدارة مجمع الأمل الصحي في الرياض! الذي لم يهتم بحياة الناس وأمنهم وتهاون في التحجج بعدم توفير سرير شاغر مكتفيا بالأدوية التي قد يأخذها المريض وقد لا يأخذها لعدم متابعته من قبل أسرته!

حقيقة لقد كان منظرا بشعا جدا ما حواه مقطع حادثة القتل بوضح النهار، وأتخيل كم مؤلم جدا لأطفال وأسرة ذلك العامل الهندي ـ رحمه الله ـ الذي كان ذنبه أنه موجود في محلّ تموينات سعيا لطلب الرزق في غربته دفعا لفقره!