حين أتحدث عن "الأمير مقرن" فإنني لا أتحدث بناء على ظنون وتخرصات أو توقعات، بل أتحدث عن الإنسان الأمير من خلال علاقة طويلة امتدت لأكثر من عشرين سنة، كان والدي الشيخ سليمان آل عامر - رحمه الله - مع الأمير في علاقة مباشرة بطبيعة عمله رئيساً للدعوة في حائل، ثم مديراً عاماً لفرع رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة، ومن خلال اللجان الكثيرة الخيرية والأهلية التي قاربت والدي - رحمه الله - بالأمير مقرن ولي ولي العهد، وكنت حينها أرمق تلك العلاقة وألحظ ما يجري فيها، وكانت تمثل العلاقة المثالية بين الأمير والمسؤول، بين الأمير وأهل العلم، بين الأمير والمواطنين، علاقة اكتنفها كثير من المحبة والود والتعاون فيما يحقق مصلحة الوطن وحقوق ومكاسب المواطن.

وإذا كان "التواضع" هو الذي يجلب المحبة، فإن "التواضع" كان العلامة الفارقة والمميزة للأمير مقرن - وفقه الله -، ولا غرو في ذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الذي خرجه الإمام مسلم في صحيحه: (وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)، فالرفعة التي ينالها الإنسان في الدنيا ما هي إلا حصيلة هذه الصفة، خاصة حين يكون الإنسان في موقع المسؤولية والإمارة التي عادة ما تنعكس على النفس البشرية بشيء من الرفعة، فإن قهرها العبد بالتواضع نال بذلك السعادة والرفعة ومحبة الناس، وهذه الصفة كانت ملازمة للأمير مقرن - وفقه الله - في فترة عمله أميراً في منطقة حائل، ولازمته هذه الصفة في كل المناصب التي تقلدها بعد أن ارتحل من منطقة حائل، تاركاً بصمات كثيرة وذكرى طيبة ومحبة في قلوب الناس.

إن علاقة الأمير مقرن بن عبدالعزيز بوالدي وغيره من المشائخ في منطقة حائل لم تكن علاقة الرئيس بالمرؤوس، وإنما كانت علاقة الأخوة والمحبة والقرب، علاقة البساطة والحميمية التي كانت بادية حين يجالسهم في المجالس الرسمية، أو في اللقاءات العادية حين تذوب الفروق ويبقى الود شعار الجلسة، وهذه الصفة قليلة في التاريخ، وقليلة في الواقع وهي من سمات وميزات الأمير مقرن، وهي المؤشر على التوفيق في اختياره لهذا المنصب، الذي يعد فارقاً في تاريخ الدولة السعودية وطبيعة مرحلتها التاريخية، وهو الذي يدعو للفأل والبشارة للنفوس باختيار الأمير مقرن ولياً لولي العهد، أطال الله عمر خادم الحرمين وولي عهده الأمين على الطاعة والخير والبر ووفقهم لكل خير..

وإن أنسى فلا أنسى ذلك اليوم الذي غادر فيه الأمير مقرن - حفظه الله - منطقة حائل، وتلك الدموع التي سكبها والدي - رحمه الله - حزناً على فراق الأمير الذي لم ير منه إلا كل خير، والذي عاش معه سنوات طويلة من التعاون والعمل والعلاقة الخاصة التي لم يشبها مطمع دنيوي ولا تحقيق مكاسب خاصة، وإنما كانت علاقة تخدم البلاد والعباد وتحفها المحبة والإخاء، وهو سلوك بذله الأمير - وفقه الله - مع كل المسؤولين في المنطقة، فعلقت ذكراه في النفوس، وتجددت له البيعة والعهد بعد اختيار خادم الحرمين الشريفين له ولياً لولي العهد، أعانه الله على تحمل المسؤولية، والقيام بأعباء المهمة والمنصب إنه على ذلك قدير..