في تحليل مفصل أجرته وحدة التقارير في صحيفة الاقتصادية حول نسبة خريجي الجامعات السعودية للعام الدراسي 1432-1433 تبين أن أكثر من 50% من خريجي الجامعات السعودية ارتكز في مجالات ثلاثة أساسية هي الدراسات الإسلامية، والدراسات الإنسانية، والأعمال التجارية، مع تفوق أعداد الإناث من إجمالي عدد الخريجين، حيث شكلن 61.8% في حين شكل الذكور39%.
الصورة جلية إذا ما قرأنا هذه الأرقام وفكرنا بواقع مجتمعنا اليوم وتطلعاته واحتياجاته للتحول إلى مجتمع معرفي تتغلب فيه الكفاءة المحلية على الكفاءة الأجنبية، وتصبح مشكلة التوظيف من الماضي، ففي عصر التكنولوجيا والأمراض المستحدثة والطلب المتزايد على المشاريع التنموية وتحديات مواجهة الحروب الاقتصادية والسياسية ومشاكل الإرهاب وضعف البنى التحتية نجد أن التخصصات التي تعالج هذه المسائل لا تحظى بالقدر المناسب من الخريجين، الذين من خلالهم يمكن لنا كدولة أن نتجاوز الجمود وندخل في عالم القرن الواحد والعشرين.
وقد بين التقرير كذلك أن نسبة خريجي التخصصات الصحية في البلاد لدى الذكور لم يتجاوز 6% و لدى الإناث 5%، كما شكل خريجو العلوم الفيزيائية لدى الذكور 6%، في حين اكتفت التخصصات المعلوماتية ما نسبته 5% من إجمالي الخريجين الذكور تماما.. إذن، كم هي نسبة التخصصات الهندسية؟
ليس خافيا أن من أكبر تحدياتنا التنموية والاجتماعية هي مشكلة البطالة التي تسعى الدولة على وضع حلول عملية لها من خلال استحداث مؤسسات رسمية تقوم بدراسة الإشكال ووضع الحلول بالتنسيق مع باقي المؤسسات الرسمية والأهلية المعنية بالأمر، إلا أن من أهم تلك التحديات - وهو الأمر الذي يبدو أنه لم يتغير وفق الأرقام الموضحة أعلاه - هو التركيز غير المبرر على التخصصات النظرية، التي لا تخرج في الأساس إلا مدرسين في مجالات نظرية لا تبني اقتصادا أو بناء أو تنعش صناعة، فحتى تخصصات الأعمال التجارية غالبا لا تتعامل مع التصنيع بقدر تعاملها مع التجارة والوساطة المالية التي لا تنتج منتجا بقدر بيعها إياه.
قلناها سابقا ونكررها اليوم بأن الخروج من أي مأزق اجتماعي تنموي لن يأتي إن كان تركيزنا الأساسي على تلك التخصصات النظرية، بل سيكون من خلال تأهيل جيل قادم فيه المهندس والطبيب والصناعي والمخترع، لأن فلسفة هذا العصر تقول، إن الدول العظيمة ليست تلك التي تخلق فلاسفة ومصلحين اجتماعيين بل تلك التي تخلق علماء ذرة ومخترعين مبتكرين.