أسأل الله تعالى أن يحسن إلى خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين كما أحسنا إلى أبنائهما وبناتهما من مواطني هذه البلاد المباركة فيما تم مؤخرا من ترتيب للحكم وتسلسل له في الفترة القادمة. أخذهما ـ حفظهما الله ـ "بالأسباب الشرعية والنظامية، لتحقيق الوحدة، واللحمة الوطنية، والتآزر على الخير"، وعملهما على النأي بالبلد وأهله عن كل أو أي؛ ما أو من يهدد الأمن والاستقرار جسد بالغ الحكمة، وبعد النظر؛ فالشكر كل الشكر، والتقدير كل التقدير على ما تم، وما سيتم. كما أسأله تعالى أن يمد بالعون والتوفيق صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وكل التهاني لسموه على الاختيار الملكي له ولياً لولي العهد، والذي حظي بتأييد ورغبة سمو ولي العهد، ونالت ـ وبلغة أهل الشريعة ـ موافقة (جمهور) أعضاء هيئة البيعة، المعنية ـ وحسب المادة الثالثة من نظامها ـ "بالمحافظة على كيان الدولة، وعلى وحدة الأسرة المالكة وتعاونها وعدم تفرقها، وعلى الوحدة الوطنية، ومصالح الشعب".

في الرياض، وفي منطقة قصر الحكم الذي يمثل الانطلاقة الحقيقية لملوك المملكة بايعت، وشهدت بيعة المواطنين لسمو ولي ولي العهد، وبعد الفراغ ناقشتني أخت كريمة؛ نحن النساء لما لا نبايع؟، وهل نحن في أمان من حديثه صلى الله عليه وسلم ـ: ".. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية"، ثم ناقشني أخ كريم في ذات النص، وتأكد عندي أن هذه الحيرة موجودة عند عدد لا بأس به.. وللجواب المستعجل أذكر أن الروايات التاريخية كلها تؤكد اشتراك المرأة مع الرجل في موضوع البيعة، وأن الأمر ليس خاصا بالرجل، وأن التغييب الذي يحصل أمر لا علاقة له بالكتاب، ولا بالسنة، بل إن النصوص تضافرت على بيعة المهاجرات سيداتنا سبيعة الأسلمية، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، له صلى الله عليه وسلم، والقصة مبسوطة في الآيات التي تناولت موضوع صلح الحديبية، وفيها الاستثناء الذي حظي به النساء من البنود الواردة في شروط الصلح. وكذلك كان لسيدات الأنصار شرف البيعة في بيعة العقبة الثانية، كما روت ذلك سيدتنا أميمة بنت رقيقة، وما حصل بعد ذلك من بيعات للنساء في العيد وغيره، كما روت ذلك سيدتنا سلمى بنت قيس، والقصص في هذا الموضوع كثيرة، وكلها تدل على عدم منع مبايعة النساء، بل تدل على الدور الحيوي الكبير للمرأة في هذا الخصوص. والذي يمكن أن أسلي به المهتمات من نساء بلدي، ومن لم يتيسر له ذلك من الرجال هو نص الإمام النووي الذي ذكره في شرحه لصحيح مسلم: ".. أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد؛ وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس".

في الرياض ـ كذلك ـ تشرفت، ودون ترتيب مسبق بعيادة سماحة المفتي العام للمملكة ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وسررت برؤيته وابنه الأخ عبدالرحمن، وذكرت سماحته بمداخلتي عقب محاضرته الأخيرة والمميزة في نادي مكة الأدبي: "أنتم يا سماحة الشيخ مفتي المملكة بكل تصنيفاتها الفكرية"، وتذكر الأمر، وكرر الترحيب نفسه بالتواصل، وذات الاستعداد بالتزاور، فاللهم تمم عليه العافية، وجنبنا المرجفين، والحاقدين، والمغرضين، ومفرقي الأمة، ومصنفيها.