"وعد الشمال" أحد أكبر المشاريع التعدينية لتعدين الفوسفات في أقصى الشمال للمملكة، وهو أحد المشاريع ذات البعد الاقتصادي الذي يعمل في اتجاه عدم التركيز على البترول كمصدر أساسي للدخل على المدى الطويل، وتنويع مصادر الدخل. ورغم أن الدراسات تشير إلى أن هناك فائضا متوقعا في أسواق استيراد الفوسفات عالمياً مما سيؤثر على اقتصاديات أسعار الفوسفات واقتصاديات المشروع، إلا أن تقلبات الأسعار لا يمكن الاعتماد عليها لأنها مرتبطة بالعرض والطلب، والطلب في تزايد على مر السنين، ويعد عام 2014 هو تاريخ ولادة مدينة وعد الشمال الصناعية، والرابع من فبراير منه هو عيد ميلاد مشروع الفوسفات الأول في المملكة، حيث وقع أربعة وزراء سعوديون؛ المالية والتخطيط والبترول والنقل، مجموعة من العقود الإنشائية، إعلاناً لبداية مشروع مدينة مخصصة لتعدين الفوسفات وتسويق مشتقاته. ويقع هذا المشروع وهذه المدينة الصناعية قرب مدينة طريف المحاذية للحدود الأردنية، وتقدر تكلفة هذا المشروع بحوالى 36 مليار دولار، وسترتبط هذه المدينة بالأسواق العالمية من خلال سكك حديدية موصولة بالموانئ السعودية. وحسب إفادة وزير المالية فإن توقيع هذه العقود الإنشائية في هذه المدينة يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، والتنويع الاقتصادي في المنطقة الشمالية، وزيادة معدلات النمو، وتوفير الوظائف، وتعزيز مكانة المملكة في الأسواق العالمية. ورغم تخوف بعض المستثمرين من الدخول في هذا المشروع نتيجة المنافسة الشرسة التي تضغط على أسعار الفوسفات إلا أن انخفاض المخزون العالمي في نهاية الربع الأول من هذا القرن يعطي فرصة أكبر لمناجم الفوسفات في المملكة وهي الأكبر في العالم، حيث تقدر بحوالى 3 مليارات طن أو أكثر. وتشارك في إنشاء هذا المشروع العملاق مجموعة من الشركات العالمية، كان أكبر هذه العقود مع شركة "رايليم" الكورية الجنوبية، و"وإستنكا" الإسبانية، و"أس إن بي لافلين" الكندية، و"سينويك للهندسة وهافو" الكورية، وحصلت شركة "فلور كورب" على عقد الاستشارات الهندسية، وأُسندت إدارة الشركة إلى شركة "بكتل" الأميركية.

هذه نبذة مختصرة عن مشروع وعد الشمال أو مدينة وعد الشمال الصناعية، وهي معلومات منشورة، أرى هذا المشروع من الجانب الاقتصادي مشروعا عملاقا ناجحا على المدى الطويل سيسهم في تنويع مداخيل ميزانية الدولة، إلا أن هذه النبذة المختصرة هي المقدمة لأسئلتي التي أطرحها اليوم على المخططين لهذا المشروع وهي:

أين البعد الاجتماعي غير المعلن لمنطقة الحدود الشمالية؟ وما أثر مشروع وعد الشمال على أهالي مدن الشمال؟ وهل البعد الاجتماعي سيقتصر على تشغيل أهالي الشمال كعمال مهنيين فقط، أو إداريين؟ أم ستنعكس بعض المشاريع العملاقة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة لأهل الشمال؟ وهل سيرتكب الخطأ نفسه الذي ارتكب في حق أبناء وسكان مدينتي ينبع والجبيل القديمة؟ الذين لم يستفيدوا كثيرا اقتصاديا واجتماعيا من المدينتين الصناعيتين البتروكماويتين اللتين أنشئتا على أطرافهما وسميتا باسم المدينتين القديمتين، ولم يستفد سكان هاتين المدينتين (ينبع التاريخية والجبيل القديمة) سوى أقل القليل وبعض الوظائف العمالية، حيث أنشئت المدينتان الصناعيتان متكاملتان وبكامل احتياجاتهما السكنية والتجارية والخدمية والتعليمية والصحية والترفيهية، وأهملت المدينتان القديمتان ولم تستفيدا من المشاريع العملاقة، وكان الأجدى من هذه المشاريع أو المدن الصناعية الجديدة أن تؤثر اقتصاديا إيجابيا على المدن القديمة وسكانها. ورغم أنني وغيري كتبنا وعارضنا فكرة فصل خدمات المدن الصناعية عن المدن القديمة المجاورة وعارضنا حرمان المقاولين والموردين الصغار من الفرص المتاحة في المدن الصناعية الجديدة، لكن لم تجد معارضتنا من يسمعنا أو يتيح الفرصة للحوار معنا. واليوم وبعد مرور 30 عاما على مدينتي ينبع والجبيل الصناعيتين نحتفل بمدينة وعد الشمال الصناعية، متمنيا ألا تتكرر المأساة على مدن الشمال، وآمل أن يأخذ المخططون لهذه المدينة البعد الاجتماعي والاقتصادي لأبناء مدن الشمال، وأن تتاح الفرصة لرجال الأعمال أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لأن يشاركوا ببعض المشاريع الصغيرة من الباطن، وأن يسهم تجار مدن الشمال في عقود التوريد الغذائية والصحية ومواد البناء أو مشاريع البنية التحتية.

إن تجربة الشركات الأجنبية في بناء مدينة ينبع والجبيل ناجحة في البناء والتشغيل ولكنها فاشلة في بعدها الاجتماعي، ولن ننسى قيام بعض من الشركات الأجنبية الآسيوية باستيراد المواد الغذائية لعمالتها وموظفيها من بلادها، بما فيها الأرز والزيت والكماليات، رغم توافرها في السوق المحلية، واستخدام طيرانها الخاص في نقل عمالتها.

إن تجربة شركة أرامكو في البعد الاجتماعي والاقتصادي لأبناء المنطقة الشرقية على مدار السبعين عاماً الماضية تجربة جديرة بالاقتباس، استطاعت الشركة أن تبني جيلا ناجحا من أبناء الشرقية ليكونوا رجال أعمال ناجحين ومديري ورؤساء ووزراء متميزين، وأن تجربتها في دعم إنشاء كلية البترول التي أصبحت جامعة الملك فهد الجامعة الأولى علميا وعمليا وبحثيا، هي تجربة جديرة بالاقتباس والتنفيذ.

إن مطالبتي الوطنية اليوم تنطلق من حقوق أبناء الشمال في المشروع الذي سمي بـ"وعد الشمال"، فهل يحقق مشروع وعد الشمال وعده في البعد الاجتماعي مثل وعده في البعد الاقتصادي لدخل الدولة؟ أم سيسير في اتجاه مدينتي ينبع والجبيل الصناعيتين؟