انتشر - قبل أيام قلائل - في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو دام، وبثته قناة العربية عن شابين سعوديين في بدايات العشرين من عمريهما، تم إعدامهما من قبل عناصر في جبهة النصرة، "المصنفة إرهابية"، بتهمة انتمائهم إلى تنظيم دولة العراق والشام "داعش" الذي يقاتل في سورية. مقطع "اليوتيوب" أثار استهجان واستنكار السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي وأحدث ردود فعل كبيرة حول هذه التنظيمات الإرهابية، والتي لا تعرف غير لغة الدم والتخريب. السؤال المطروح: لماذا تتوالد هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة؟ ما النجاحات التي حققتها؟ هذه الجماعات التكفيرية كجماعة "طالبان "في أفغانستان أو "جبهة النصرة" و"داعش" في سورية لم تستطع تحقيق أي إنجاز نافع، لا على المستوى السلوكي أو الفكري أو التنموي، وذلك بالرغم من صراخها العالي وشعاراتها الكثيرة ومنظريها الذين ينتشرون في القنوات الفضائية، الذين لا يملون ولا يسأمون من ترديد أننا أصحاب الفضل فيما وصل إليه الغرب "الكافر"، وأننا خير أمة وأننا الوارثون للحضارة التي ستنهار قريباً - بحسب زعمهم -!!
نعم.. النجاح الوحيد الذي حققته هذه الجماعات وأعتقد أنه السبب الرئيس في توالدهم وتضاعفهم هو القدرة على استثارة عواطف الجماهير وتعبئتهم وشحنهم ضد الأنظمة العربية والإسلامية بحجة أنها تابعة للغرب وتنفذ مخططات تآمرية ضدها، نعم هي نجحت بكافة المقاييس في زرع الكراهية والعداء للحضارة المعاصرة بذريعة أنها حضارة صليبية حاقدة على الإسلام والمسلمين تجب مواجهتها كما يصرح أحد قادتها: "إذا كان الغرب يملك القنابل الذرية فنحن نملك القنابل البشرية"!! والسؤال الآن: لماذا فشلت هذه الجماعات حتى في ميادينها المفضلة وهي الجهاد والمقاومة، خاصة أنها تتصارع مع بعضها البعض وتتقاتل ولم تستطع أن ترد عدوانا أو تحمي وطناً؟!.
إنني أتصور بأن السبب الأساس لهذا الفشل هو النزوح للماضي، حيث تتصور هذه الجماعات بأن الماضي كان مزدهرا في ظل حكم الخلافة الإسلامية ولذلك هم يتحركون في الواقع وهم يعيشون هذا الحلم التاريخي، باعتباره الحل المثالي المنشود لقضايا الأمة الإسلامية، وجماعة الإخوان المسلمين اليوم هي أحد امتدادات هذا الفكر وهي شاهد حي على ما نقول. القصور الفكري لهذه الجماعات جعلتهم يصورون التاريخ بشكل رومانسي وأن الماضي كان ملائكيا، وأن ذلك سيقودهم للانتصارات وما دروا بأن الماضي فيه كثير من الصراعات والنزاعات الدموية التي يندى لها الجبين، ولذلك من الأهمية مراجعة مناهج تدريس التاريخ الإسلامي، ففي تدريس التاريخ نحشو ذهن الطالب بأمجاد ومآثر وفضل أمته على الشعوب الأخرى، بشكل مبالغ فيه، وفي ذات الحال نبتعد كثيرا عن إيضاح أخطائنا التاريخية تجاههم، وبالتالي يشب هذا الطالب وقد امتلأ بفكرة قومية أو عنصرية ودينية متطرفة تجاه الشعوب الأخرى.
أخيرا أقول: مراجعة مناهج التاريخ في مدارسنا مهمة جدا في تفكيك وتحليل الظاهرة الإرهابية، فهي لها أثر كبير في صياغة عقلية الطالب وتشكيل وجدانه ووعيه بالماضي، وبالتالي تصوره للحاضر والمستقبل كما أن لها الإسهام الأكبر في تشكيل نظرة الطالب للشعوب الأخرى ومدى تقبله للآخر وتسامحه معه.