ما الذي يدفع رئيس أقوى دولة في العالم ليجدول المملكة ضمن جولته إلى هولندا وبلجيكا وإيطاليا، والتي كانت زيارته إليها مندرجة تحت ملف الأزمة الأوكرانية؟.

وما الذي يجعل أوباما يثني مقدمة طائرته لتتجه من روما في رحلة طويلة نسبياً إلى الرياض بدلاً من العودة إلى واشنطن من مسافة أقصر؟

وما الذي يجعل رئيس الولايات المتحدة الأميركية يطلب لقاء العاهل السعودي، ويأتي مصحوباً بوفد رفيع فيه وزير الخارجية جون كيري، ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس؟

وما الذي يدفع أميركا بجلالة قدرها وعظمة وزنها وثقل سطوتها تأتي منصاعة برئيسها، ووفده الرفيع إلى الرياض لتبرر لنا بعض أغلاطها وتشرح لنا معتذرة بعض أخطائها والدوافع التي جعلتها تُغضب الرياض حليفها القديم القدير؟

ما الذي جعل أميركا تأتي إلى خيمة روضة خريم لتنصت لنا خلال ساعتين هي مجمل فترة الزيارة؟

ما السبب الذي يدفعها إلى أن تترك لنا كل المساحة الزمنية لنعاتبها ونلومها ونشرح لها أسباب غضبنا وعتبنا ولومنا، (لقد كان الملك السعودي صريحاً جداً طيلة فترة المباحثات وبدا بروح عالية)، هكذا لخص المسؤول الإداري الأعلى في البيت الأبيض أجواء قمة روضة خريم، وفي تعليقه عن لهجة المخاطبة بين الطرفين وكيف كانت خلال القمة قال إن (الرئيس أوباما كان أكثر ثناء على الاجتماع المتميز، معداً أن القمة السعودية الأميركية كانت فرصة طيبة للرئيس للجلوس وجهاً لوجه مع الملك عبدالله، كما وأعتقد أن الملك قد أعرب عن تقديره لحقيقة أن الرئيس أوباما جاء للسعودية لمقابلته وجهاً لوجه ولم يكن لقاءً للجدل كان لقاء مفتوحاً وصريحاً).

ما الذي يجعل معظم فترة اللقاء حديثا من الملك - يحفظه الله – وإنصاتا من الرئيس وفريقه؟

يقول المسؤول الأميركي معلقاً في هذا الشأن: (لقد كانت لدى الملك فرصة للتحدث بطريقة صريحة جداً وإبداء وجهة نظره بشأن كل الملفات، مؤكداً أنه وعلى الرغم من حضور بعض المسؤولين السعوديين إلا أن الملك عبدالله هو من كان يتناقش مع أوباما في كافة التفاصيل من بداية اللقاء حتى نهايته).

وبعد: فلست في وارد الإشارة إلى الملفات المختلف عليها بين المملكة وأميركا، ولكنني أردت الالتفات هنا إلى القيمة العليا والمكانة الرفيعة لبلادنا، أقولها لكل مواطن قد لا يشعر بهذه القيمة، ولا يلمس هذه الوزنية، وأقولها لبعض أبناء هذا الوطن الذين يجلدون ذواتهم، ولا يدركون قيمتهم النابعة من قيمة وطنهم ومكانتها الدينية في العالم الإسلامي؛ ثم مكانتها الاقتصادية في العالم ومكانتها السياسية المعتدلة كدولة يعتد برأيها السياسي النابع من تجربة متراكمة عند قيادة هذه البلاد على نحو يجعل المملكة منارة وملاذاً مهماً في الإقليم وخارجه عند هبوب العواصف واشتداد الأزمات.

أكتب هذا الكلام ليعلم السعودي قيمة الرياض حين تغضب وكيف أن رضاها مقدم على سواها وكيف أن بلداً مهماً بحجم الولايات المتحدة الأميركية يدرك أن استقرار أميركا الاقتصادي مربوط باستقرار الرياض، وأن العالم أجمع متكل على استقرار هذه البلاد تبعاً لمكانتها الاقتصادية الرفيعة والراشدة، فليس من طبيعة هذه البلاد أن تعيش التحولات السياسية الراديكالية، وليس المزاج الثوري العسكري أو اليساري ضمن اختياراتها.

ها هي أميركا تدرك بعد أن انحرفت بوصلتها أن مؤشر الاستقرار والثبات يتجه دائماً إلى قبلته المعتادة في المملكة العربية السعودية.

فلا ريب والحال كذلك أن يثني أوباما مقدمة طائرته إلى الرياض ليوضح ويستوضح ويعيد المياه إلى مجاريها.