هل تعلم أخي القارئ أن هناك أكثر من أحد عشر ألف مريض بالفشل الكلوي في المملكة يعانون أشد المعاناة من هذه البلوى الكبيرة حيث الألم يستعر بالجسم والموت ينتظر في نهاية الممر؟

هل تعلم أن عدد من يعيشون هذه المعاناة يتزايد سنوياً بنسبة 9%؟ نسبة مخيفة، أليس كذلك؟

نحن الذين عافانا الله مما ابتلاهم به لا نشعر حقيقة بمعاناتهم، مهما حاولنا أن نبدي التعاطف أو التباكي عليهم، إذ لا يشعر بحرارة الجمرة إلا واحد. نحن نرفل في ثوب الصحة في أبداننا والمعزة حيث لا نحتاج إلى سؤال أحد، ولا نعرف معنى هذه الحاجة، بينما مرضى الفشل الكلوي يعيشون مصيبة حقيقية ومعاناة لا يكادون يجدون معها بصيص نور إلا كما يجد حبيس الغار من شعاع الشمس، فجلسة غسيل الكلى الواحدة تكلف مبلغاً قدره ستمائة ريال سعودي، وفي الغالب يحتاج المريض إلى جلستين أسبوعياً من جلسات الغسيل، هذه ألف ومائتان أسبوعياً، أي ما يقارب الخمسة آلاف ريال شهرياً، هذا للغسيل فقط دون ملحقاته الأخرى، أي إن عمليات الغسيل لمريض واحد تحتاج إلى مرتب كامل يجرى عليها، أي إن الفرد العادي لن يستطيع مواجهة هذه المشكلة وحده، فهذه كارثة حقيقية لمن قدر لهم أن يصاب فرد منهم بهذا البلاء.

بناء على تقارير لجمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي (كلانا) فإن العناية بالمريض الواحد وتكلفة علاجه الكاملة هي حوالي مائة وخمسة عشر ألفاً في السنة كمعدل، وقيمة العمليات المصاحبة للغسيل هي اثنا عشر مليونا، دون أن نتطرق لأية تفاصيل أخرى عن تكلفة الأدوية المصاحبة لكل هذا.

من هنا برزت الحاجة لكي نتكاتف جميعاً في دعم الحملة التي تقوم بها هذه الجمعية (كلانا) في هذه الأيام، بكل وسيلة ممكنة وبكل أسلوب من شأنه أن يوصل مشاعرنا وتعاوننا وصدقاتنا إلى هؤلاء المرضى، ومن تلك الوسائل والأساليب المتاحة لنا: التبرع الشهري عبر رسائل الـ sms فقد ذكرت الجمعية أن هناك مليونين ونصف المليون من سكان المملكة قد تبرعوا بالفعل لهذه الجمعية وأن هذه التبرعات قد ساهمت في إجراء 200 ألف جلسة غسيل، وهذا بلا شك عمل من أعمال الخير وباب من أبواب المعروف، فالصدقة على المحتاج من أعظم القيم التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف وحث عليها ورغـّب الناس فيها، والناس في شهر رمضان يميلون إلى كثرة الصدقة ومساعدة المحتاج بقصد الإمعان في البحث عن أسباب رحمة الله ومغفرته، إلا أنهم يحتاجون أحياناً إلى من يدلهم على وجوه الخير وأسبابه، ويخرجهم قليلاً عما تعودوه من أنماط وأبواب اعتادوا أن يبذلوا فيها معروفهم وصدقتهم لما هو أفضل وأكثر تطوراً وأشمل فائدة، فكثير من المسلمين يكون كلاسيكياً حتى في صدقته فتجد أنه يميل إلى شراء برادة مياه يضعها في المسجد، في حين أن الحاجة إلى شرب الماء ليست ماسة لتوفر المياه، ومن المعروف دينياً ومنطقياً أن النفع كلماً كان متعدياً كان ذلك أفضل من النفع المقتصر على صاحبه، وأن النفع الذي تكون الحاجة إليه ماسة أفضل من النفع الذي يسهل توفره، ولا شك أن دعم مثل هذه الحملة التي تقوم بها (كلانا) هو من أبواب الصدقة والبر والمعروف الذي اتفق عليه الجميع وتلاقت عليه النفوس، عسى أن يأتي يوم نستطيع فيه أن نحقق التأمين الصحي لحياة كل السعوديين، أعني التأمين الصحي الذي يشمل العلاج الكامل لكل مرض، وهذا ليس بمستحيل إن تكاتفت جهودنا وحسن تخطيطنا.