في ليلة جداوية دافئة ـ خلال الأسبوع المنصرم ـ جمعنا لقاء مع نجل الفنان الراحل رياض السنباطي، الأخ محمد رياض السنباطي، في إحدى أماسي "ديوانية" النجم حسن عسيري، التي يحرص على أن تكون عابقة بندى الفن.

عصرنا ذاكرة السنباطي الابن ليحدثنا عن والده وحياته وألحانه، وعلاقته مع كبار الشعراء والمطربين، خاصة كوكب الشرق "أم كلثوم". أبرز ما لفت نظري في هذا الاستجواب الأخوي كان حديثه الشجي عن تركة والده، وهي مجموعة من الألحان التي لم تر النور حتى الآن، وأعجب العجب هو أن يبقى هذا الكنز حبيسا في الأدراج حتى اليوم، وقد توفى السنباطي ـ رحمه الله ـ عام 1981، هذه الألحان بينها مجموعة لحنها لفيروز ولم تغنها.

كيف لصيادي الجمال المعروفين ببراعتهم، واقتناصهم للفرص، مثل فنان العرب محمد عبده، أو القيصر كاظم الساهر، ألا يتسابقوا للحصول على هذه الأعمال؛ ليضموا أسماءهم إلى الكوكبة التي حظيت بشرف الغناء من ألحان "السنباطي" الذي لا يجود الزمان بمثله كثيرا؟! ليكون هذا الاسم حاضرا في تاريخهم الغنائي؛ وليكون لأصواتهم نصيب في تلك الجمل اللحنية التي تحفر في ذاكرة الزمان، وتتوغل في النفس الإنسانية المرهفة.

رياض السنباطي ليس فقط صاحب أجمل ما غنت العرب من ألحان منذ "معبد، وزرياب، الأطلال"، ولكنه الرجل الذي حمل إلينا القصيدة العربية الفصيحة من العصور السابقة، وجعلنا نتذوقها كأنها ابنة اليوم. في الغرب حين تكتشف لوحة منسيّة لفنان كبير راحل، أو لحن ضائع، أو نسخة من فيلم مفقود، يصبح ذلك حدثا مهما، وكأنه اكتشاف لقارة جديدة، بل إعادة اكتشاف للعالم كله.