المدن كالنساء كما يقال.. مهما كانت الفتاة جميلة، إذا كان وسطها مترهلاً سيؤثر على مظهرها العام، "الوسط الرشيق حينما يهتز، تهتز معه الشنبات"، وجماليات المدن تكمن في أواسطها، الآثار والمعالم والتاريخ لا تجده سوى وسط المدينة، حكايات الناس في قلب المدينة، ذكرياتهم مغروسة في وسطها، في أغلب مدن العالم يكون وسط المدينة هو الأغلى ثمناً.. حتى الفنادق العريقة تجدها في "الداون تاون"، أحياناً تحمل ذات الاسم!
العراقة والتاريخ لا يمكن لك أن تعثر عليهما سوى في قلب المدينة، حتى جهود الحكومات تتركز للحفاظ على أسّ المدن وتطويرها وتجديدها..
نحن من أكثر شعوب العالم الذين يهربون من وسط المدينة نحو الأحياء الجديدة، فرار وليس هرباً، نمارس تفريغاً عجيباً لمراكز المدن ونتركها سكناً للعمالة والشركات.. وسط المدينة أصبح وكراً للرذيلة ومستودعاً للخمور ومخبأً للصوص والمتسللين!
حتى وسط المدينة بدأ يهرب عن واقعه المروّع، كأنه يزحف، كأنه يركض خلف الناس، والناس تركض هرباً عن ظلها، عن تاريخها وحكاياتها وماضيها!
مفارقة أخرى: يفترض أن العمالة الوافدة تستوطن أطراف المدن.. المعادلة مقلوبة، الناس تهرب نحو الأطراف، والعمالة تتمركز وسط المدينة حيث الخدمات المتكاملة!
هناك حديث في الرياض هذه الأيام عن خطط مكتملة لتطوير وسط الرياض، هناك خطط تطوير منطقة وسط البلد في جدة، وهي أفضل نسبياً من غيرها، لكن هذه الجهود -وإن كانت مهمة وتجد الرضا والامتنان من المجتمع- جاءت استجابة لمطالب مستمرة.. ليست بادرة ذاتية من الحكومة حسبما أعتقد..
هذه القضية لا تخضع لخطة شاملة، المدن ليست الرياض وجدة فقط، والذكريات والحكايات لا يحفظها سكان هاتين المدينتين، هناك تاريخ ثمين لدى كل الناس في كل المدن يفترض المحافظة عليه.