كان وما يزال الأنف في الثقافة الاجتماعية المحلية جزءا من الجسم الذي يستخدم للتعبير عن عدد من المشاعر النفسية المتفاوتة؛ فتقدير كبار السن يكون بتقبيل الأنوف؛ تعبيرا عن الاحترام و الإجلال، كما أن الإشارة بالسبابة المستقيمة على أرنبة الأنف تعني سمعا وطاعة، إضافة إلى أن هذا التكوين البارز من وجه الإنسان يستخدم في أوقات الفراغ "لهاية" موقتة لتضييع الوقت عند إشارة المرور أو في طابور الجوازات.

اعتمادنا على هذا الجزء المهم من الوجه للتعبير عن بعض المعاني النفسية له امتدادات تتجاوز المعاني الجميلة أو المسلية، فيستخدم كذلك للإشارة لتحقق أمر غصبا، أو تحقيق "نصر" على الخصوم، وذلك من خلال عكف إصبع السبابة وتمريره من أعلى الأنف مرورا باتجاه الأرنبة ثم الأسفل، وهو تعبير طالما كان يستخدم في مناسبات التحدي والمنافسة ذات الطابع المناكف.

في السياسة كنا وما زلنا نعتقد أن الأمور بين الدول تدار بعقلية الخشوم، فينتهج بعض الساسة العرب ممن يخطئون في حقنا سياسة "حب الخشوم" ظنا منهم أن ذلك سيزيل الألم، ويعيد الأمور لسابق عهدها، فقد أجاد خالد الفيصل حينما قال: "?ما ينسينا الخطا حب الخشوم، ولا يطهرك المطر عشرين عام".

في ثقافة الإسكيمو يعد الأنف بمثابة الشفاه التي يتودد العاشقون بها، رغم أنها أول أجزاء الجسم تأثرا بالزكام والبرد! وفي الثقافة الإيطالية يقال عن المغرور إن "تحت خشمه رائحة كريهه"، وكما هو معلوم فإن أكثر عمليات التجميل شيوعا بين الرجال والنساء هي عمليات نحت "الخشوم"؛ بهدف أن تصبح كسلة السيف رمز الأنف الأجمل.

قصتنا مع الأنوف أو "الخشوم" كما تسمى محليا، لها صولات

وجولات في هذا العصر الذي تعود فيه العقلية العصبية لتتصدر المشهد، فبعد مناكفات السذج في وسائل التواصل الاجتماعي حول صراعات الطوائف والفرق وحروب الفكر "السفسطائي" حول من سيدخل الجنة ومن سيقبع في الدرك الأسفل من النار، وهي المطاحنات التي تذكرني بمعارك التيوس في الفلكلور الآسيوي، أقول بعد تلك المناكفات وصل تحدي "الخشوم" المتعصبة للحقل الرياضي بشكل يثير الإشفاق، ليكشف لنا يوما بعد يوم، كم نحن بدائيون في تعبيرنا عن التفوق وكم أن مرضنا مركب باتجاه الغير، فالمنافسة في عقلنا الباطن لا تعني السعي للفوز وتحقيق النصر، بل تعني الحط من الخصم، والاحتفال على ما يخيل لصاحب الخشم أنه على أنقاض خصمه وبقاياها.