وصلني سؤال من فتاة إلى موقعي الشخصي حول مسلسل "ما ملكت أيمانكم" تقول:(بصراحة لفتت نظري الآية وبدأت البحث في معناها وأتعب قلبي ما قرأته من كلام المشايخ... يبدو أنها قضية شائكة يرفض بعض المشايخ الخوض فيها وسأكون لك من الشاكرين إن استطعت أن توضحي لي هذه الفكرة في قوله تعالى "فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"..."إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" فقد قرأت فيما كتب من كلام الفقهاء أن ملك اليمين هي أسيرة الحرب التي يملكها المسلمون و تصبح حلا للرجل المسلم يحل له منها ما يحل للرجل من زوجته وإن كانت متزوجة فإن زواجها يلغى... منهم من يعلل ذلك بضرورة "الحفاظ على المجتمع وإعانتها على رغباتها ومشاعرها بعيدا عن أهلها"! أعرف أن الإسلام أتى ليحرر البشر من قيد العبودية فأي مواساة هي أن يملك غريب إنسانة كانت لها حياتها وعائلتها لأنها كانت على الطرف الخاطئ في المعركة خصوصا أن النساء لسن من المقاتلين في أغلب الأحيان؟ ألم يكن لها أولاد وزوج قد تكون تحبه؟ بأي قلب يأتي الرجل المسلم امرأة لها حياتها؟ أين كرامة الإنسان؟ والله إني لأرى أنه يرمي عرض الحائط بكل قيم الإسلام وكل الإصرار على الشرف والحجاب والبعد عن الزنى؟ أسألك ودموعي تنهمر وأشعر أن قلبي يتقطع... كل التفاسير والشروح لا تستطيع أن تخفي الذكورية البحتة التي تفسر كلام الله وكأنها مركز الكون وكل شيء آخر مكملات ومجملات وهبات للحياة الذكورية المختارة.... بل والأسوأ من كل هذا أن بعض المشايخ أجابوا عن السؤال بقولهم إن هذا المفهوم "للأسف" غير موجود الآن بسبب ضعف ووهن المسلمين وأنه لا جهاد ولا خلافة اليوم...وكأن المشكلة الوحيدة هي عدم توافر الظروف! ألم يأت الإسلام ليلغي معنى الرق والعبودية ويسلم البشر سواسية لله عز وجل؟ كيف لنا أن نأتي لنستعبد الناس من جديد وإن عادت الخلافة وعادت شوكة المسلمين؟ في الغرب يؤكدون أن البشر كلهم سواسية بل و يعاملون الغريب المتجنس كابن البلد الأصيل ويحمونه بدساتيرهم ونحن نفكر كيف نستعبد الناس ونستحل نساءهم في الحرب؟ هل هذه هي نظرة الإسلام للعالم؟ مستحيل! قال النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أن يعلم الرجل أمته ويحسن إليها ويتزوجها فلم يسمح للرجل أن يأتيها دون زواج؟ ما الفرق بين هذا وبين الزنا الذي يقال إنه يحمي المجتمع منه؟ سامحيني إن أخطأت في صيغة سؤالي فوالله لا أقصد التجرؤ و لكنني أؤمن يقينا أن دين الله يقبل بالعقل لا بالاتباع الأعمى وأن الله لن يعطينا شريعة تخالف العقول التي أعطانا إياها).
هذا ملخص رسالة الفتاة، ومن الواضح أنها صادقة ومحقة في تساؤلاتها، وأفضل نقطة أشارت إليها هي أن التفاسير والشروح كثيرا ما تنطلق من مزاجية ذكورية واضحة، وهذه التفاسير هي التي شوهت الإسلام وجعلت المرأة كأنها ملك يمين للرجل، وأعتقد أن ذلك هو الهدف من المسلسل علما بأنني لم أتابع أي حلقة منه، خصوصاً أني في رمضان الحالي بعيدة عن كل وسائل الإعلام ما عدا الإلكترونية منها.
جوابي على سؤال الفتاة حول إباحة الإسلام لاسترقاق الأسرى – ذكورا كانوا أم إناثا - بأن الإسلام جاء عندما كان الرق نظاماً عالمياً ينجم عن الحروب، وحين كان القرآن يتنزل فإن المهمة الأولى للدين الجديد كانت تنظيم الحياة داخل المجتمع المسلم حيث كان الإسلام مسيطرا، ولذا تم تحريم الخمر والزنا وكل العادات السيئة التي تقع داخل نطاق سيطرة الإسلام، أما ما كان خارج سيطرته فلا يمكن له أن يحرمها، وعلى هذا فإن استرقاق الأسرى استمر أثناء العهد النبوي لكن مع كثير من التوصيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على حسن معاملة الرقيق وتحث على إعتاقه ومساعدته على المكاتبة وهي عندما يملك العبد أو الأمة مالا يستطيع أن يشتري بنفسه حريته، والآية في سورة النور، وهو ما حصل في غزوة بني المصطلق عندما قسم عليه الصلاة والسلام السبايا، فوقعت جويرية – بنت الحارث سيد بني المصطلق - في سهم ثابت بن قيس، وأرادت جويرية من رسول الله أن يساعدها على مكاتبتها، فكاتب بدلا عنها وتزوجها، وبسببها فك المسلمون أسراهم من قومها، فأسلموا، وهكذا كان هدف الرسول عليه الصلاة والسلام من الزواج منها – عدا أنها كانت جميلة وتملأ العين كما وصفتها عائشة رضي الله عنها – أنها كانت سبباً في فك رقاب أسرى قومها وإسلامهم.
ما يؤخذ على المسلمين بعد انتهاء العهدين النبوي والراشدي أنهم توسعوا في الفتوحات والتي نجم عنها العدد الأكبر من الرقيق، ثم لم يتم الأخذ بسنة النبي عليه الصلاة والسلام مع جويرية، وقد كان بإمكان المسلمين في ذلك الوقت - حين كانوا سادة العالم - أن يضعوا نظاما عالميا أكثر عدلا من نظام الرق، لكنهم لم يفعلوا، وهكذا فلا يجب أن يسأل الإسلام عن هذا التقصير بل المسؤول عنه هم المسلمون أنفسهم.
أما أسئلة الفتاة حول المرأة الأسيرة تحديدا، وكيف يمكن للرجل المسلم أن يأتيها وهي على ذمة رجل آخر، فهذا لا أذكر أني قرأته في كتاب فقه، لكن ربما يكون زوجها قد قتل، وما أعلمه أنه يمنع إتيان الأسيرة إذا كانت حاملا من زوجها، كما أن هناك مثالاً آخر من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام مع صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير، والتي بنى عليها بعد مقتل زوجها ولكنه لم يدخل بها إلا بعد أن لاطفها وهوّن عليها مصابها وأنساها بمعاملته الحسنة فراق زوجها، ومن الطريف أنها رأت حلما قبل تلك المعركة بأن القمر وقع في حجرها ولما قصت رؤياها على زوجها قال لها غاضبا: إنك تحلمين بسيد العرب!
أما جواب المشايخ الذي ذكرته الفتاة حول تأسفهم على عدم وجود الخلافة وفوات الاسترقاق والاستمتاع بالأسيرات، فلقد ذكرني ببعض أفكار الجهاديين في بريطانيا والتي كان من ضمنها الاستيلاء على قصر ملكة بريطانيا وجعلها من ملك اليمين!